فصل: سنة ثلاث عشرة وخمس مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة احدى وخمس مائة

فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق بين سيف الدولة صدقة بن منصور أمير العرب وبين السلطان محمد فقتل صدقة في المصاف‏.‏

وفيها كان الحصار على صور وطرابلس والشام في ضرمع الفرنج‏.‏وفيها توفي أبو علي تميم بن معز ابن السلطان أبي يحيى الحميري الصنهاجي ملك إفريقية وما والاها بعد أبيه وكان حسن السيرة محمود الآثار محباً للعلماء معظماً للفضلاء مقصداً للشعراء كامل الشجاعة وافر الهيبة عاش تسعاً وتسعين سنة وكانت دولته ستاً وخمسين سنة وخلف من البنين أكثر من مائة ومن البنات ستين - على ما ذكر ابن شداد في تاريخ القيروان - وتملك بعده ابنه يحيى وفيه يقول أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني‏:‏ أصح وأقوى ما سمعناه في الندا من الخبر المأثور منذ قديم أحاديث ترويها السيول عن الحيا عن البحر عن كف الأمير تميم ولتميم المذكور أشعار حسنة منها قوله‏:‏ سل المطر العام لذي عم أرضكم أجاء بمقدار الذيى فاض من دمعي إذا كنت مطبوعاً على الصد والجفا فمن أين لي صبر فأجعله طبعي وكان يجيز الجوائز السنية ويعطي العطايا الجزيلة الهنيئة وفي أيام ولايته أخذ المهدي محمد بن تومرت إفريقية عند عوده من بلاد الشرق وأظهر بها الإنكار على من رآه خارجاً عن سنن الشريعة ومن هناك توجه إلى مراكش وكان منه ما كان على ما سيأتي قريباً وكان قد فوض إلى تميم المذكور أبوه في حياته ولاية المهدية ولم يزل بها إلى أن توفي والده فاستبد بالملك ولم يزل كذلك إلى أن توفي‏.‏

وفيها توفي صدقة بن منصور مقتولاً كما تقدم وذلك يوم الجمعة سلخ جمادى الآخرة‏.‏

وقتل معه ثلاثة آلاف فارس وكان شيعياً له محاسن ومكارم وحلم وجود ملك العرب بعد أبيه اثنتين وعشرين سنة وكان ذا بأس وسطوة وهيبة نافر السلطان محمد ابن ملك شاه السلجوقي واقتضت الحال الحرب بينهما إلى أن قتل في المعركة في التاريخ المذكور وحمل رأسه إلى بغداد وكانت إمارة أبيه سبعاً وستين سنة‏.‏وفي السنة المذكورة توفي الرجل الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الصوفي الدوني راوي السنن عن أبي نصر الكسار وكان زاهداً عابداً سفياني المذهب‏.‏

وفيها توفي أبو الفرج القزويني محمد ابن العلامة أبي حاتم محمود بن أحمد بن الحسن الأنصاري وكان فقيهاً صالحاً وفيها توفي أبو سعد الأسدي محمد بن عبد الملك البغدادي المؤدب‏.‏

سنة اثنتين وخمس مائة فيها حاصر جاولي بالجيم الموصل - وبها زنكي - فأنجده صاحب الروم أرسلان ففر جاولي ودخل أرسلان الموصل وحلفوا له ثم التقى جاولي وأرسلان في ذي القعدة فحمل أرسلان بنفسه وضرب يد حامل العلم فأبانها ثم ضرب جاولي بالسيف فقطع السيف بعض لبوسه وحمل أصحاب جاولي على الروميين فهزموهم وبقي أرسلان في الوسط فهز فرسه ودخل نهر الخابور فدخل به الفرس في ماء عميق فغرق وطفا بعد أيام فدفن وساق جاولي فأخذ الموصل فظلم وغشم‏.‏

وفيها تزوج المستظهر بالله بأخت السلطان محمد‏.‏

وفيها ظهرت الإسماعيلية بالشام ثم خذلت وأخذتهم السيوف فلم ينج منهم أحد‏.‏

وفيها قتلت الباطنية الاسماعيلية بهمذان قاضي القضاة عبيد الله بن علي الخطيبي‏.‏

وفيها قتلت بأصبهان يوم عيد الفطر أبا العلاء صاعد بن محمد البخاري‏.‏

وفيها قتلت النيسابوري الحنفي المفتي أحد الأئمة‏.‏وفيها قتلت بجامع آمد يوم الجمعة في شهر الله المحرم فخر الإسلام القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل بن أحمد الروياني الفقيه الإمام الشافعي مذهباً أحد الرؤوس الأكابر في أيامه شيخ الشافعية فروعاً وأصولاً وخلافاً صاحب التصانيف السنية سمع الشيخ أبا الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي وأبا عبيدالله محمد بن بيان الكازروني وتفقه على مذهب الإمام الشافعي وروى عنه زاهر بن طاهر الشحامي وغيره‏.‏

وكان له الجاه العظيم والحرمة الوافرة وكان الوزير نظام الملك كثير التعظيم له بكمال فضله رحل إلى بخارى ودخل غزنة ونيسابور ولقي الفضلاء وحضر مجلس ناصر المروزي وعلق عنه الحديث وبنى بآمل طبرستان مدرسة ثم انتقل إلى الري ودرس بها وقدم أصبهان وأملأ بجامعها وصنف الكتب المفيدة منها‏:‏ بحر المذهب هو من أطول كتب الشافعية وكتاب الكافي وكتاب حيلة المؤمن وصنف في الأصول والخلاف‏.‏

ونقل عنه أنه يقول‏:‏ لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من خاطري ذكره الحافظ أبو محمد عبدالله بن يوسف القاضي في طبقات أئمة الشافعي وأثنى عليه‏.‏

وذكره الحافظ يحيى بن منده فأثنى عليه وروى الحديث عن خلق كثير في بلاد متفزقة‏.‏

وقال الحافظ أبو طاهر السلفي‏:‏ بلغنا أن أبا المحاسن الرؤياني أملى بمدينة آمل وقتل بعد فراغه من الإملاء بسبب التعصب في الدين‏.‏

وذكر الحافظ أبو سعد السمعاني أنه قتل في الجامع يوم الجمعة - الحادي عشر من المحرم - من السنة المذكورة قتله الملاحمة وقال بعضهم‏:‏ عاش سبعاً وثمانين سنة‏.‏

وعظم الخطب بهؤلاء الملحدين وخافهم كل أمير وعالم بهجومهم على الناس‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو القاسم الربعي علي بن الحسين الفقيه الشافعي المعتزلي ببغداد قلت‏:‏ يعنون أنه شافعي الفروع معتزلي الأصول كما قيل إن جار الله الزمخشري حنفي الفررع معتزلي الأصول وأشباه ذلك كثر يكون أحدهم فروعي مذهب آخر‏.‏

وفيها توفي أبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة يحيى بن علي بن محمد الشيباني صاحب التصانيف أخذ اللغة عن أبي العلاء المعري وسمع من سليمان بن أيوب بصور وكان شيخ بغداد في الادب‏.‏

وسمع الحديث بمدينة صور من الفقيه أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي وجماعة وروى عنه الخطيب الحافظ أبو بكر وغيره من أعيان الأئمة وتخرج عنه خلق كثير وتلمذوا له وصنف في الحماسة وشرح ديوان المتنبي وشرح المعلقات السبع وله تهذيب غريب الحديث وتهذيب إصلاح المنطق ومقدمات حسنة في النحو وكتاب الكافي في علم العروض والقوافي وشرح سقط الزند للمعري وله الملخص في إعراب القرآن في أربع مجلدات ودرس الأدب في حنش نظامية بغداد ودخل مصر فقرأ عليه ابن بابشاذ شيئاً من اللغة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الكريم بن حشيش البغدادي رحمه الله تعالى‏.‏

 سنة ثلاث وخمس مائة

في ذي الحجة منها أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سبع سنين وكان المدد يأتيها من مصر في البحر‏.‏وفيها أخذوا بانياس‏.‏

وفيها أخذ صاحب أنطاكية طرطوس وحصن الأكراد‏.‏

وفيها توفي أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواسي طوف خراسان والعراق والشام ومصر وكتب عن الصابوني وطبقته‏.‏

وفيها توفي أبو سعد المطرز بن محمد الأصبهاني في نيف وتسعين سنة سمع الحسين ابن ابراهيم وأبا علي غلام محسن وغيرهما وهو أكبر شيخ للحافظ أبي موسى المديني سمع منه حضوراً‏.‏

فيها أخذت الفرنج بيروت بالسيف ثم أخذوا صيدا بالأمان وأخذ صاحب أنطاكية بعض الحصون وعظم المصاب وتوجه خلق كثير من المطوعة يستصرخون الدولة ببغداد على الجهاد واستغاثوا وكسروا منبر جامع السلطان وكثر الضجيج فشرع السلطان في أهبة الغزو‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين الخشاب يحيى بن علي بن الفرج المصري شيخ الإقراء با لروايات‏.‏

وفيها توفي اسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري‏.‏

وأبو يعلى حمزة بن محمد بن علي البغدادي أخو طراد الزينبي‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الفقيه الشافعي المعروف بألكيا بكسر الكاف وفتح المثناة من تحت والتخفيف وبعدها ألف وهي في اللغة العجمية الكبير القدر المقدم بين الناس كان من أهل طبرستان فخرج إلى نيسابور وتفقه على إمام الحرمين أبي المعالي الجويني مدة إلى أن برع وكان حسن الوجه جهوري الصوت فصيح العبارة حلو الكلام وخرج من نيسابور إلى بيهق ودرس بها مدة ثم خرج إلى العراق وتولى التدريس بالنظامية ببغداد إلى أن توفي‏.‏

ذكره الحافظ عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي وقال‏:‏ كان من درس معيداً إمام الحرمين في الدروس وكان ثاني أبي حامد الغزالي بل أرجح منه في الصوت والمنظر ثم اتصل بخدمة الملك بركيا روق - بالموحدة قبل الراء والمثناة من تحت بين الكاف والراء مكررة قبل الكاف والواو ابن ملك شاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه وارتفع شأنه وتولى القضاء بتلك الدولة وكان يستعمل الأحاديث في ميادين الكفاح إذا طارت رؤوس المقاييس في مهاب الرياح‏.‏

قال الحافظ أبو طاهر السلفي‏:‏ استفتيت شيخنا أبا الحسن المعروف بالكيا وقد جرى بيني وبين الفقهاء كلام في المدرسة النظامية - ما يقول الإمام - وفقه الله تعالى - في رجل أوصى بثلث ماله للعلماء والفقهاء هل يدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية أم لا فكتب الشيخ تحت السؤال‏:‏ نعم كيف لا وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله تعالى يوم القيامة فقيهاً عالماً ‏"‏ انتهى‏.‏

قلت الظاهر - والله أعلم إنه محمول على ما إذا عرف معنى الحديث وأحكامه وإلا فلا يدخل في الوصية وقد وقفت بعد قولي هذا على ما يؤيده - والحمد لله تعالى - وهو ما نص عليه الإمام الرافعي وقرره الإمام النووي في الروضة قال‏:‏ فيما إذا أوصي للعلماء لا يدخل فيهم الذين يسمعون الحديث ولا علم لهم بطرقه ولا بأسماء الرواة ولا بالمتون فإن السماع المجرد ليس بعلم‏.‏

توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس مستهل السنة المذكورة ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزينبي وقاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية وكان بينه وبينهما مناقشة فوقف أحدهما عند رأسه والآخر عند وما تغني النوادب والبواكي وقد أصبحت مثل حديث أمس وأنشد الزينبي متمثلاً‏:‏ عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم وكان في خدمته بالمدرسة النظامية ابراهيم بن عثمان الغزي الشاعر المشهور فرثاه بأبيات منها قوله‏:‏

هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ** ما للبرية عن محتومها وزر

لو كان ينجي علو من بوائقها ** لم تكسف الشمس بل لم يخسف القمر

قل للجبان الذي أمسى على حنر ** من الحمام متى رد الردى الحدر

بكى على شمسه الإسلام إذ أفلت ** بأدمع قل في تشبيهها المطر

حبر عهدناه طلق الوجه مبتسماً ** والبشر أحسن ما يلقى به البشر

لئن طوته المنايا تحت أخمصها ** فعلمه الجم في الآفاق منتشر

أخا ابن إدريس كنت تورده ** تحار في نظمه الأذهان والفكر

وكان قد سئل في حياته عن يزيد بن معاوية فقدح فيه وشطح وكتب فصلاً طويلاً ثم قلب وكتب‏:‏ فلان ابن فلان‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك فإنه سئل عمن صرح بلعن يزيد هل يحكم بفسقه أم هل يكون ذلك مرخصاً فيه وهل كان مريداً قتل الحسين رضي الله تعالى عنه أم كان قصده الدفع وهل يسوغ الترحم عليه أم السكوت أفضل أنعم بإزالة الاشتباه مثاباً فأجاب‏:‏ لا بجوز لعن مسلم أصلاً ومن لعن مسلماً فهو الملعون وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -‏:‏ ‏"‏ المسلم ليس بلعان ‏"‏ لما وكيف يجوز لعن مسلم ولا يجوز لعن البهائم - وقد ورد النهي عن ذلك - وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويزيد صح إسلامه وما صح قتله للحسين ولا أمره به وما لم يصح منه ذلك لا يجوز أن يظن ذلك به فإن إساءة الظن بالمسلم حرام وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ‏"‏ - الحجرات - وقال النبي صل الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن ‏"‏‏.‏

ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين رضي الله تعالى ورضي به - فينبغي أن يعلم به غاية حماقة فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد أحد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله ومن الذي رضي به ومن الذي - وإن كرهه لم يقدر على ذلك كان قد قتل بجواره وزمانه وهو يشاهده فكيف يعلم ذلك فيما أنقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد فهذا لا يعرف حقيقته أصلا وإذا لم تعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به ومع هذا فالقتل ليس بكفر بل هو معصية وربما مات القاتل بعد التوبة ولو جاز لعن أحد فسكت عن ذلك لم يكن الساكت عاصياً بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة لم لم تلعن إبليس وأما الترحم عليه فإنه جائز بل مستحب إذ هو داخل في قوله‏:‏ اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات‏.‏

والله أعلم‏.‏

- كتبه الغزالي -‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي أن يوضح الأمر في ذلك ويفصل وهو أنه لا يخلو‏:‏ إما أن يعلم أنه أمر بقتله فلا يخلو إما أن يكون معتقداً جله أولا فإن استحله فقد كفر وإن أمر به ولى يستحله فقد فسق فليس القتل مقتضياً للكفر إلا إذا كان قتلاً لنبي وإن لم يعلم أنه أمر بقتله فلا يجوز أن يفسق بمجرد ظن ذلك والله أعلم‏.‏سنة خمس وخمس مائة فيها جاءت عساكر العراق والجزيرة لغزو الفرنج فنازلوا الرها فلم يقدروا ثم ساروا وقطعوا الفرات ونازلوا بعض بلاد الفرنج خمسة وأربعين يوماً فلم يصنعوا شيئاً واتفق موت مقدمهم واختلافهم فردوا وطمعت الفرنج في المسلمين وتجمعوا فحاصروا صور مدة طويلة‏.‏

وفيها كانت ملحمة كبيرة بالأندلس بين ابن تاشفين وبعض ملوك الفرنج وانتصر المسلمون وأسروا وقتلوا وغنموا مالاً يعبر عنه وذلت الفرنج‏.‏

وفيها توفي أبو محمد الآبنوسي عبدالله بن علي البغدادي المحدث سمع من أبي القاسم التنوخي والجوهري‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن بن العلاف علي بن محمد البغدادي الحاجب مسند العراق‏.‏

وفيها توفي الإمام حجة الإسلام زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي أحد الأئمة الأعلام اشتغل في مبدأ أمره بطوس على أحمد الزادكاني ثم قدم نيسابور واختلف إلى دروس إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وجد في الاشتغال حتى تخزج في مدة قريبة وصار من الأعيان المشاهير المشار إليهم في زمن أساتذتهم وصنف في ذلك الوقت وكان أستاذه يتبجح به ولم يزل ملازماً إلى أن توفي في التاريخ المذكور في ترجمته فخرج من نيسابور إلى العسكر ولقي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه وبالغ في الإقبال عليه وكان بحضرة الوزير جماعة من الأفاضل فجرى بينهم الجدال والمناظرة في عدة مجالس وظهر عليهم واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان ثم فوض إليه الوزير تدريس مدرسته - النظامية - بمدينة بغداد فجاءها وباشر إلقاء الدروس بها وذلك في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وأربعمائة‏.‏

فعجب به أهل العراق وارتفعت عندهم منزلته ثم ترك جميع ما كان عليه وسلك طريق الزهد والانقطاع وقصد الحج‏.‏

وذكر في الشذور أنه خرج من بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة متوجهاً إلى بيت المقدس متزهداً لابساً خشن الثياب وناب عنه أخوه في التدريس ثم ذكره في سنة خمس وخمس مائة‏.‏

فلما رجع توجه إلى الشام فأقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع - في الجانب الغربي منه - وانتقل منها إلى بيت المقدس واجتهد في العبادة وزيارة المشاهدة والمواضع المنظمة ثم قصد مصر وأقام بالاسكندرية مدة ويقال إنه قصد منها الركوب في البحر إلى بلاد المغرب على عزم الاجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فبينا هو كذلك بلغه نعي يوسف المذكور فصرف عنانه من تلك الناحية ثم عاد إلى وطنه بطوس‏.‏

قلت هذه الزيادة في ذكر دخوله مصر والإسكندرية وقصده الركوب إلى ملك بلاد المغرب غير صحيحة فلم يذكر أبو حامد في كتابه‏:‏ المنقذ من الضلال - سوى إقامته ببيت المقدس ودمشق ثم حج ورجع إلى بلاده والعجب كل العجب كيف يذكر أنه قصد الملك المذكور لأرب - وهو من الملوك والمملكة هرب - فقد كان له في بغداد الجاه الوسيع والمقام الرفيع فاحتال في الخروج عن ذلك وتعلل بأنه إلى الحج سالك لأداء ما عليه من فروض المناسك ثم عدل إلى الشام وأقام بها ما أقام وكذا علماء التاريخ الحفاظ الأكابر ومنهم الإمام الجليل أبو القاسم ابن عساكر - لم يذكر هذه الزيادة التي تنافي رفع همته عن المقاصد الدنية لإعراضه عن الدنيا والخلق بالكلية ولما عاد إلى الوطن اشتغل بنفسه وآثر الخلوة وصنف الكتب المفيدة في الفنون العديدة‏.‏ومن مشهورات مصنفاته‏:‏ الوسيط والبسيط والوجيز والخلاصة في الفقه ومنها إحياء العلوم‏:‏ وهو من أنفس الكتب وأجملها‏.‏

وله في أصول الفقه‏:‏ المستصفى والمنخول والمنتحل في علم الجدل وتهافت الفلاسفة ومحك النظر ومعيار العلم والمقاصد والمظنون به على غير أهله ومشكاة الأنوار والمنقذ من الضلال وحقيقة القولين وكتاب ياقوت التأويل في تفسير التنزيل أربعين مجلداً وكتاب أسرار علم الدين وكتاب منهاج العابدين والدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة وكتاب الأنيس في الوحدة وكتاب القربة إلى الله عز وجل وكتاب اختلاف الأبرار والنجاة من الأشرار وكتاب بداية الهداية وكتاب جواهر القرآن والأربعين في أصول الدين وكتاب المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وكتاب ميزان العمل وكتاب القسطاس المستقيم وكتاب التفرقة بين الإسلام والزندقة وكتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة وكتاب المنادى والغايات وكتاب كيمياء السعادة وكتاب تدليس إبليس لعنه الله‏.‏

وكتاب نصيحة الملوك وكتاب الاقتصاد في الاعتقاد وكتاب شفاء العليل في مسائل التعليل وكتاب أساس القياس وكتاب المقاصد وكتاب إلجام العوام عن علم الكلام وكتاب الانتصار وكتاب الرسالة الدينية وكتاب الرسالة القدسية وكتاب أبيات النظر وكتاب المآخذ وكتاب القول الجميل في الرد على غير الإنجيل وكتاب المستظهري وكتاب الأمالي وكتاب في علم اعداد الوقف وحدوده وكتاب مفصل الخلاف وجزء في الرد على المنكرين في بعض الفاظ إحياء علوم الدين‏.‏

وقال يمدحه تلميذه‏:‏ الشيخ الإمام أبو العباس الأقلشي المحدث الصوفي صاحب كتاب النجم والكواكب وغيره‏:‏ أبا حامد أنت المخصص بالحمد وأنت الذي علمتنا سنن الرشد وضعت لنا الإحياء يحيي نفوسنا وينقذنا من طاعة المارد المردي فربع عبادات وعاداتها التي تعاقبها كالدر نظم في العقد وثالثها في المهلكات وإنه لمنج من الهلك المبرح بل بعدي ورابعها في المنجيات وإنه ليسرح بالأرواح في جنة الخلد ومنها ابتهاج للجوارح ظاهر ومنها صلاح للقلوب من البعد وكتبه كثيرة وكلها نافعة ثم ألزم بالعود إلى نيسابور والتدريس بها بالمدرسة النظامية فأجاب إلى ذلك بعد تكرار المعاودات ثم ترك ذلك وعاد إلى بيته في وطنه واتخذ خانقاها للصوفية ومدرسة للمشتغلين بالعلم في جواره ووزع أوقاته على وظائف الخير من ختم القرآن ومجالسه أهل القلوب والقعود للتدريس إلى أن انتقل إلى ربه هذا ما ذكره بعض علماء التاريخ‏.‏

قلت‏:‏ الحبر الذي باهى به المصطفى سيد الأنام موسى وعيسى - عليه وعليهما أفضل الصلاة والسلام - في المنام الذي رويناها بإسنادنا العالي عن الشيخ الإمام القطب أبي الحسن الشاذلي والذي أنتشر فضله في الآفاق‏.‏

وتميز بكثرة التصانيف وحسنها على العلمماء وبرع في الذكاء وحسن العبارة وسهولتها وأبدع خى صار إفحام الفرق عنده أسهل من شرب الماء‏.‏

قال الشيخ الإمام الحافظ ذو المناقب والمفاخر السيد الجليل أبو الحسن عبد الغافر الفارسي‏:‏ محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي حجة الإسلام والمسلمين إمام أئمة الدين لم تر العيون مثله لساناً وبياتاً ونطقاً وخاطراً وذكاء وطبعاً ابتدأ في صباه بطرف في الفقه في طوس على الفقيه الإمام أحمد الزادكاني ثم قدم نيسابور مختلفاً إلى درس إمام الحرمين في طائفة من الشبان من طوس وجد واجتهد حتى تخرج عن مدة قريبة وصار أنظر أهل زمانه وأوحد أقرانه في أيام إمام الحرمين فكانت الطلبة يستفيدون منه ويدرس لهم ويرشدهم ويجتهد في نفسه وبلغ الأمر به إلى أن أخذ في التصنيف‏.‏

وكان الإمام - مع علو درجته وسمو عبارته وسرعة جريه في المنطق والكلام لا يصفي نظره إلى الغزالي سراً لإنافته عليه في سرعة العبارة وقوة الطبع ولا يطيب له تصديه للتصنيف - وإن كان متخرجاً به منتسباً إليه كما لا يخفى من طبع البشر - ولكنه يظهر التبحح به والاعتداد بمكانه ظاهر أخلاق ما يضمره‏.‏ويقال على ما ذكره بعض المؤرخين أنه لما صنف كتابه المنخول عرضه على إمام الحرمين فقال‏:‏ دفنتني وأنا حي فهلا صبرت إلى أن أموت لأن كتابك غطى على كتابي‏.‏

هكذا نقل عن إمام الحرمين - والله أعلم مع كونه بالمحل للذي شهد له بفضله الجملة من أفراد الأئمة من ذلك ما تقدم عن الإمام السمعاني أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي قال‏:‏ تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان يعني أبا المعاني الجويني - رحمة الله عليهم أجمعين - وما تقدم من وصفه بإمام الأئمة على الإطلاق وغير ذلك مما اشتهر من وصفه بالفضائل وبراعته في العلوم في الآفاق ثم بقي كذلك إلى أن انقضى أيام الإمام فخرج من نيسابور وسار إلى العسكر واحتل من مجلس نظام الملك محل القبول وأقبل عليه الصاحب لعلو درجته وظهور اسمه وحسن مناظرته وجري عبارته وكانت تلك الحضرة محط رحال العلماء ومقصد الأئمة والفصحاء فوقعت للغزالي اتفاقات حسنة من الاحتكاك بالأئمة وملاقاة الخصوم ومناظرة الفحول ومناقدة الكبار وظهر اسمه في الآفاق وارتفق بذلك أكمل الارتفاق حتى أدت الحال به إلى أن رسم للمصير إلى بغداد للتدريس بالمدرسه الميمونة النظامية بها فصار إليها وأعجب الكل تدريسه ومناظرته وما لقي مثل نفسه وصار بعد إمامة خراسان إمام العراق ثم نظر في علم الأصول - وكان قد أحكمه - فصنف فيه وجدد المذهب في الفقه فصنف فيه تصانيف وسبك الخلاف فحرر فيه أيضاً تصانيف وعلت حشمته ودرجته في بغداد حتى كادت تغلب حشمة الأكابر وأمراء دار الخلافة فانقلب الأمر من وجه آخر وظهر عليه بعد ممارسة العلوم الدقيقة وممارسة الكتب المصنفة فيها وسلك طريق التزهد والتألة وترك الحشمة وطرح ما نال من الدرجة ولازم الاشتغال بأسباب التقوى وزاد الآخرة فخرج عما كان فيه وقصد بيت الله تعالى وحج ودخل الشام وأقام في تلك الديار قريباً من عشر سنين يطوف ويزور المشهد المعظمة‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر بعض المؤرخين وقد قدمت في فساد ذلك من البيان ما يدل فيه على البطلان والمعروف الذي نص عليه أبو حامد في بعض كتبه أنه أقام في الشام سنتين نعم ذكروا أنه أقام بعد رجوعه في العزلة والخلوات وترك الاشتغال والمخالطات قريباً من عثسرسنين‏.‏قال الشيخ عبد الغفار‏:‏ وأخذ في التصانيف المشهورة التي لم يسبق إليها مثل إحياء علوم الدين والكتب المختصرة مثل الأربعين وغيرها من الرسائل التي من تأملها علم محل الرجل من فنون العلم وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق وتحسين الشمائل فانقلب شيطان الرعونة وكلب الرئاسة والجاه والتخلق بالأخلاق الذميمة إلى سكون النفس وكرم الأخلاق والفراغ عن الرسوم والتزينات والتزيي بزي الصالحين وقصر الأمل ووقف الأوقات أو قال‏:‏ الأوقاف على هداية الخلق ودعائهم إلى ما يعنيهم في أمر الآخرة وتبغيض الدنيا والاشتغال بها على السالكين والاستعداد للرحيل للدار الآخرة الباقية والانقياد لكل من يتوسم فيه أو يشم منه رائحة المعرفة أو يلحظ بشيء من أنوار المشاهدة حتى مرن على ذلك ولان ثم عاد الى وطنه ملازماً بيته مشتغلاً بالتفكر ملازماً للوقت مقصوداً تقياً وذخراً للقلوب ولكل من يقصده ويدخل عليه إلى أن أتى على ذلك مدة وظهرت التصانيف وفشت الكتب ولم تبد في أيامه مناقضة لما كان عليه ولا اعتراض لأحد على ما آثره حتى انتهت نوبة الوزارة إلى الأجل فخر الملك جمال الشهداء تغمده الله بغفرانه - وتزينت خراسان بحشمته ودولته وقد سمع وتحقق بمكانة الغزالي ودرجته وكمال فضله وجلالته وصفاء عقيدته ومعاشرته وقفاء سيرته فتبرك به وحضره وسمع كلامه فاستدعى منه أن لا يبقي أنفاسه وفوائده عقيمة لا استفادة منها ولا اقتباس من أنوارها وألح عليه كل الإلحاح وشدد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج وخرج إلى نيسابور وكان الليث غائباً عن عرينه والأمر خافياً في مستور قضاء الله ومكنونه فأشير إليه بالتدريس في المدرسة الميمونة النظامية وغيرها فلم يجد بداً من الإذعان للولاة ونوى بإظهار ما اشتغل به هداية السراة وإفادة القاصدين لا الرجوع إلى ما انخلع عنه وتحرز عن رقه من طلب الجاه ومماراة الأقران ومكاثرة المعاندين وكم فرع عصا الخلاف فيه والوقوع فيه والطعن فيما يذره ويأتيه والسماية به والتشنيع عليه فما تأثر به ولا اشتغل بجواب الطاعنين ولا أظهر استيحاشاً لغمرة المخالفين قال‏:‏ ولقد زرته مراراً وما كنت أحدث في نفسي مما عهدته في سالف الزمان عليه من الدعارة أو قال‏:‏ من الزعارة وإيحاش الناس والنظر إليهم بعين الازدراء والاستحقار لهم كبراً وخيلاء واغتراراً بما رزق من البسطة في النطق والخاطر والعبارة وطلب الجاه والعلو في المنزلة وكنت أظن أنه متلفح بجلباب التكلف والتيمن بما صار إليه فتحققت بعد التروي والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون وأن الرجل أفاق بعد الجنون‏.‏

وحكي لنا في ليل كيفية أحواله من ابتداء ما ظهر له سلوك طريق التأله وغلبت الحال عليه بعد تبحره في العلوم واستطالته على الكل بكلامه والإستعداد بالذي خصه الله تعالى به في تحصيل العلوم وتمكنه من البحث والنظر حتى تنزه عن الاشتغال بالعلوم العربية عن المقالة وتفكر في العاقبة وما يجدي وينفع في الآخرة فابتدأ بصحبة الفارمذ وأخذ مفتاح الطريقة وامتثل ما كان يشير به عليه من القيام بوظائف العبادات والإمعان في النوافل واستدامة الإذكار والجد والاجتهاد طلباً للنجاة إلى أن جاز تلك العقابات وتكلف تلك المشاق وما يحصل على ما كان يطلبه من مقصوده ثم حكى أنه راجع العلوم وخاض في الفنون وعاود الجد والاجتهاد في كتب العلم الدقيقة واقتفى بأربابها حتى انفتح له أبوابها وبقي مدة في الوقائع وتكافؤ الأدلة وأطراف المسائل ثم حكى أنه فتح عليه من باب الخوف باب بحيث شغله عن كل شيء وحمله على الإعراض عما سواه تعالى حتى سهل ذلك وهكذا إلى أن ارتاض كل الرياضة وظهرت له الحقائق وصار ما كنا نظن به ناموساً وكلف طبعاً وتحققاً وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له من الله تعالى ثم سألناه عن كيفتة الرغبة في الخروج عن بيته والرجوع إلى ما دعي إليه من أمر نيسابور فقال معتذراً عنه‏:‏ ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة ومنفعة الطالبين بالإفادة وقد حق علي أن أبوح بالحق وأنطق به وأدعو إليه وكان صادقاً في ذلك ثم ترك ذلك قبل أن يترك وعاد إلى بيته واتخذ في جواره مدرسة لطلبة العلم وخانقاهاً للصوفية وكان قد وزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن ومجالسة أهل القلوب والقعود للتدريس بحيث لا تخلو لحظة من لحظاته ولحظات من معه عن فائدة إلى أن أصابه عين الزمان ومن الأيام به على أهل عصره فنقله الله تعالى إلى كريم جواره من بعد مقاسات أنواع من التقصد والمناوأة من الخصوم والسعي به إلى الملوك وكفاية الله تعالى وحفظه وصيانته عن أن تنوشه أيدي النكبات أو ينتهك ستر دينه بشيء من الزلات‏.‏

وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين‏:‏ البخاري والمسلم اللذين هما حجة الإسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن في يسير من الأيام يستفزعه في تحصيله ولا شك أنه سمع الأحاديث في الأيام الماضية واشتغل في آخر عمره بسماعها ولم تتفق له الرواية وما خلف من الكتب المصنفة في الأصول والفروع وسائر الأنواع يخلد ذكره ويقرر عند المطالعين المنصفين المستفيدين منها أنه لم يخلق مثله بعده ومضي إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة خصه الله تعالى بأنواع الكرامة في آخرته كما خصه بفنون العلم بدنياه بمنة ورحمته‏.‏

وقلت إلى شيء من ذكر ارتفاع مناقبه وبحر علوم كتبه - أشرت - والانتفاع في بعض القصيدات بقولي في هذه الأبيات‏:‏ وأحيا علوم الدين طالعه ينتفع ببحر علوم المستنير المحصل أبي حامد الغزال غزل مدقق من الغزل لم يغزل كذاك بمغزل دعي حجة الإسلام لا شك أنه لذلك كفؤ كامل للتأهل له في منامي قلت‏:‏ إنك حجة لإسلامنا لي قال‏:‏ ما شئت لي قل وقلت في أخرى‏:‏ بناكم وجير من بناء قواعد وجمع معان واختصار مطول وكم من بسيط في جلاء نفائس وإيضاح إيجاز وحل لمشكل بكف همام ذب عن منهج الهدى بحرب نصال لا يرى غير أول كمثل الفتى الحبر المباهي بفضله فعنى بغزال العلى وتغزل به المصطفى باهي لعيسى ابن مريم جيليل العطايا والكليم المفضل أعندكما حبر كهذا فقيل‏:‏ لا وناهيك في هذا الفخار المؤثل رآه الولي الشاذلي في منامه وترويه عنه من طريق مسلسل تصانيفه فاقت بنفع وكثرة وحلة حسن كم بها لعزيز قل وكم حجة الإسلام حاز فضيلة وكم حلة حسناتها فضله جلي بها جاهل مع حاسد طاعن فذا تعامى وعنها ذاك أعمى قد ابتلي وما ضر سلمى ذم عالي جمالها ومنظرها الباهي ومنطقها الحلي لئن ذمها جاراتها ونضائر وعين جمالاً في حلاها وفي الحلي فما سلمت حسناء عن ذم حاسد وصاحب حق من عداوة مبطل ولم يعقب إلا البنات وكان يعرض عليه الأموال فما يقبلها ويعرض عنها ويكتفي بالقدر الذي الصوفي الشافعي بدمشق قال‏:‏ سمعت الشيخ الإمام الأوحد زين القراء جمال الحرم أبا الفتح عامر بن بحام بن أبي عامر الساوي بمكة - رحمه الله تعالى - يقول‏:‏ دخلت المسجد الحرام يوم الأحد فيما بين صلاة الظهر والعصر الرابع عشر عن شوال سنة خمس وأربعين وخمسمائة - وذكر شيئاً ظهر عليه من الوجد وأحوال الفقراء - قال‏:‏ فكنت لا أقدر أن أقف ولا أجلس لشدة ما بي فكنت أطلب موضعاً أستريح فيه ساعة على جنبي فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الراسي عند باب المروة مفتوحاً قلت‏:‏ يعني في جهة الباب المسمى في الحديث الحزور قال‏:‏ فقصدته ودخلت فيه وقعت على جنبي الأيمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشاً يدي تحت خدي لكيلا يأخذني النوم فينقض طهارتي فإذا برجل من أهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت وأخرج لوحاً من جيبه أظنه كان من الحجر وعليه كتابة فقبله ووضعهه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلاً يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللوح في كل مرة فإذا فرغ من صلاته سجد عليه وأطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع في الدعاء ثم رفع رأسه وقبله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانياًوأدخله في جيبه كما كان‏.‏

فلما رأيت ذلك كرهته واستوحشت منه وقلت في نفسي ليت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان حياً فيما بيننا ليخبرهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت أطرد النوم عن نفسي كيلا يأخذني فيفسد طهارتي فبينا أنا كذلك إذ طرأ علي النعاس وغلبني فكنت بين اليقظة والمنام فرأيت عرصة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد قد تحلقوا كلهم على شخص فسألت الناس عن حالهم وعمن في الحلقة فقالوا‏:‏ هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهؤلا أصحاب المذهب يريدون أن يقرؤوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يصححوها عليه قال‏:‏ فبينا أنا كذلك أنظر إلى القوم إذ جاء واحد من أهل الحلقة - وبيده كتاب - قيل إن هذا هو الشافعي - رضي الله تعالى عنه - فدخل وسط الحلقة وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأيت رسول الله - صلى الله على وآله وسلم - في جماله وكماله لابساً الثياب البيض النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زي أهل الصوف فرد عليه الجواب ورحب به وقعد الشافعي بين يديه وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده وجاء بعد ذلك شخص آخر قيل هو الإمام الأعظم أبو حنيفة الكوفي - رضي الله تعالى عنه - وبيده كتاب فسلم وقعد يمين الشافعي وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده ثم أتى بعده كل صاحب مذهب إلى أن لم يبق إلا القليل وكل من يقرأ يقعد بجنب الآخر‏.‏

فلما فرغوا إذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة - لعنهم الله - قد جاء وبيده كراريس غير مجلدة وفيها ذكر عقائدهم الباطلة وهم أن يدخل الحلقة ويقرأها على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فخرج واحد ممن كان مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وزجره وأخذ الكراريس من يده ورمى بها إلى خارج الحلقة وطرده وأهانه‏.‏

قال‏:‏ فلما رأيت أن القوم قد فرغوا وما بقي أحد يقرأ عليه شيئاً تقدمت قليلاً - وكان في يدي كتاب مجلد - فناديت وقلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة لو أذنت لي حتى أقرأه عليك فقال - عليه السلام -‏:‏ وإيش ذلك قلت‏:‏ يا رسول الله هو قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي فأذن لي في القراءة فقعدت وابتدأت‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب قواعد العقائد وفيه أربعة فصول‏:‏ الفصل الأول‏:‏ عقيدة أهل السنة في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام‏.‏

وذكر أنه قرأ العقيدة المذكورة إلى أن انتهى إلى قول الإمام أبي حامد‏:‏ معنى الكلمة الثانية‏:‏ وهي شهادة الرسول وأنه - تعالى - بعث النبي الأمي القرشي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى كافة العرب والعجم والجن والأنس قالى‏:‏ فلما بلغت إلى هذا رأيت البشاشة والتبسم في وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى إذا انتهيت إلى نعته وصفته التفت إلي وقال‏:‏ أين - الغزالي فإذا بالغزالي كأنه كان واقفاً على الحلقة بين يديه فقال‏:‏ ها أنا ذا يا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالي يقبل يده المباركة ويضع خديه عليها تبركاً وبيده العزيزة المباركة ثم قعد وقال‏:‏ فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أكثر استبشاراً بقراءة أحد مثلما كان بقراءتي عليه قواعد العقائد‏.‏

ثم انتبهت من النوم وعلى عيني أثر الدمع مما رأيت من تلك الأحوال والكرامات - فإنها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى - سيما في آخر الزمان مع كثرة الأهواء - فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على عقيدة أهل الحق ويحيينا عليها ويميتنا عليها ويحشرنا معهم ومع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً فإنه بالفضل جدير وعلى ما يشاء قدير والغزالي - بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي وبعد الألف لام‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ هذه النسبة إلى الغزال على عادة أهل خوارزم وجرجان فإنهم ينسبون إلى القصار القصاري إلى العطار والعطاري وقيل إن الزاي مخففة نسبة إلى غزالة وهي قرية من قرى طوس قال‏:‏ وهو خلاف المشهور ولكن هكذا قال السمعاني في كتاب الأنساب والله أعلم بالصواب‏.‏

قلت وفضائل الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي - رضي الله تعالى عنه - أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر‏.‏

وقد روينا عن الشيخ الفقيه الإمام العارف بالله رفيع المقام الذي اشتهرت كرامته العظيمة وترادفت وقال للشمس يوماً قفي فوقفت حتى بلغ المنزل الذي يريد من مكان بعيد‏.‏

عن أبي الذبيح اسماعيل ابن الشيخ الفقيه الإمام ذي المناقب والكرامات والمعارف‏:‏ محمد بن اسماعيل الحضرمي - قدس الله أرواح الجميع - أنه سأله بعض الطاعنين في الإمام أبي حامد المذكور - رضي الله تعالى عنه - في فتيا أرسل بها إليه‏:‏ هل يجوز قراءة كتب الغزالي فقال رضي الله عنه في الجواب‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد الأنبياء ومحمد بن إدريس سيد الأئمة ومحمد بن محمد بن محمد الغزالي سيد المصنفين هذا جوابه رحمة الله عليه‏.‏

وقد ذكرت في كتاب الإرشاد أنه سماه سيد المصنفين لأنه تميز عن المصنفين بكثرة المصنفات البديعات وغاص في بحر العلوم واستخرج عنها الجواهر النفيسات وسحر العقول يحسن العبارة وملاحة الأمثلة وبداعة الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الألفاظ وبلاغة المعاني الغريبات والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة والفروع والأصول والمعقول والمنقول والتدقيق والتحقيق والعلم والعمل وبيان معالم العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات وأبراز محاسن أسرار المعارف المحجبات العاليات والانتفاع بكلامه علماً وعملاً لا سيما أرباب الديانات - والدعاء إلى الله سبحانه برفض الدنيا والخلق ومحاربة الشيطان والنفس بالمجاهدة والرياضيات وإفحام الفرق أيسر عنلى من شرب الماء‏:‏ بالبراهين القاطعة وتوبيخ علماء السوء الراكنين إلى الظلمة والمائلين إلى الدنيا الدنية أولي الهمم الدنيات وغير ذلك مما لا يحصى مما جمع في تصانيفه من المحاسن الجميلات والفضائل الجليلات مما لم يجمعه مصنف - فيما علمنا - ولا يجمعه فيما نظن ما دامت الأرض والسماوات فهو سيد المصنفين عند المنصفين وحجة الإسلام عند أهل الاستسلام لقبول الحق من المحققين في جميع الأقطار والجهات وليس يعني أن تصانيفه أصح فصحيحا البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفات‏.‏

وقد صنف الشيخ الفقيه الإمام المحدث شيخ الإسلام عمدة المسندين ومفتي المسلمين جامع الفضائل قطب الدين‏:‏ محمد ابن الشيخ الإمام العارف أبي العباس القسطلاني - رضي الله تعالى عنهما - كتاباً أنكر فيه على بعض الناس وأثنى على الإمام أبي حامد الغزالي ثناء حسناً وذم إنساناً ذمة قال في أثناء كلامه‏:‏ ومن نظر في كتب الغزالي وكثرة مصنفاته وتحقيق مقالاته عرف مقداره واستحسن آثاره واستصغر ما عظم من سواه وعظم قدره فيما أمده الله به من قوله ولا مبالاة بحاسد قد تعاطى ذمة أو معانداً بعده الله عن إدراك معاني بهمة فهو كما قيل‏:‏ قل لمن عن فضائله تعامنى تعام لن تعدم الحسناء ذاما هذا بعض كلامه بحروفه وقال بعض العلماء المالكية والمشايخ العارفين الصوفية الناس من فضلة علوم الغزالي معناه‏:‏ أنهم يستمدون من علومه ومدده ويستعينون بها على ما هم بصدده زاده الله تعالى فضلاً ومجداً على رغم الحساد والعدى‏.‏

قلت وقد اقتصرت على هذا القدر اليسير من محاسنه وفضله الشهير محتوياً بذكر شيء مما له من الفضل الباهر والجاه والنصيب الوافرة وشرف المجد والمفاخر مما روينا بالأسانيد العالية عن السادة الأكابر أعني‏:‏ أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتعزير من أنكر عليه ونعم الأمر - حتى إن المنكر ما مات إلا وأثر السوط على جسمه ظاهر بنصر الله عز وجل - ونعم الناصر‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو الهيجاء مقاتل بن عطية بن مقاتل البكري الحجازي الملقب بشبل الدولة كان من أولاد أمراء العرب فوقعت بينه وبين إخوته وحشة أوجبت رحلته عنهم ففارقهم ووصل إلى بغداد ثم خرج إلى خراسان واختص بالوزير نظام الملك وصاهره ولما قتل نظام الملك رثاه ببيتين تقدم ذكرهما في ترجمته ثم عاد إلى بغداد وأقام بها مدة وعزم على قصد كرمان مسترفداً وزيرها مكرم بن العلاء وكان من الأجواد فكتب إلى المستظهر بالله قصته يلتمس منه الإنعام عليه بكتاب إلى الوزير المذكور يتضمن الإحسان إليه فوقع المستظهر على رأس قصته‏:‏ يا أبا الهيجاء أبعدت النجع أسرع الله بك الرجعة وفي ابن العلاء مقنع فطريقته في الخير مهي وما يسر به إليك فيحلي ثمره سكره ويستعذب مياه بره والسلام‏.‏

فأكتفى أو الهيجاء بهذه الأسطر واستغنى عن الكتاب وتوجه إلى كرمان فلما وصلها قصد حضرة الوزير واستأذن في الدخول فأذن له فدخل عليه وعرض عليه رأيه القصة فلما رآها قام وخرج عن دسته إجلالاً وتعظيماً لكاتبها وأوصل لأبي الهيجاء ألف دينار في ساعته ثم عاد إلى دسته فعرفه أبو الهيجاء أن معه قصيدة يمدحه بها فاستنشده إياها فأنشده‏:‏ دعي العيس تذرع عرض الفلا إلى ابن العلاء وإلا فلا فلما سمع الوزير هذا البيت أطلق له ألف دينار آخر ولما كمل إنشاد القصيدة أطلق له ألف دينار آخر وخلع عليه وقاد إليه جواداً يركبه وقال له‏:‏ دعاء أمير المؤمنين مسموع ومرفوع وقد دعا لك بسرعة الرجوع وجهز بجميع ما يحتاج إليه ورجع إلى بغداد وكان من جملة الأدباء الظرفاء وله النظم الفائق الرائق وبينه بين العلامة أبي القاسم الزمخشري مكاتبات وأشعار يمدح كل منهما الآخر‏.‏

 سنة ست وخمس مائة

فيها وقيل في التي تليها‏:‏ توفي أبو غالب أحمد بن محمد الهمداني العدل وأبو القاسم اسماعيل بن الحسين القريض والفضل بن محمد القشيري النيسابوري الصوفي وأبو سعد المعمر بن علي البغدادي الحنبلي الواعظ المفتي كان يبكي الحاضرين ويضحكهم وله قبول زائد وسرعة سنة سبع وخمس مائة في المحرم منها التقى عسكر دمشق والجزيرة وعسكر الفرنج بأرض طبرية وكانت وقعة مشهورة قتلهم المسلمون فيها قتلاً ذريعاً وأسروهم وممن أسر ملكهم ابن صاحب القدس لكن لم يعرف فبذل شيئاً للذي أسره فأطلقه ثم أنجدهم عسكر أنطاكية وطرابلس ورد المنهزمون فثبت لهم المسلمون وانحاز أعداء الله إلى جبل ورابط الناس بإزائهم يرمونهم وأقاموا كذلك سبعة وعشرين يوماً ثم سار المسلمون فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم ما بين القدس إلى عكا وردت عساكر الموصل وتخلف مقدمهم مودود بدمشق وأمر العساكر بالقدوم في الربيع فوثب على مودود باطني يوم جمعة فقتله وقتل الباطني‏.‏

وفيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران وكان ثقة متعبداً زاهداً روى عن القاضي أبي الطيب الطبري وطائفة‏.‏

وفيها توفي رضوان صاحب حلب ابن تاج الدولة السلجوقي ومنه أخذت الفرنج أنطاكية وملكوا بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس‏.‏

وفيها توفي أبو غالب شجاع بن فارس الذهلي السهروردي ثم البغدادي الحافظ نسخ ما لا ينحصر من التفسير والحديث والفقه لنفسه وللناس حتى إنه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات‏.‏

وفيها توفي الشاشي المعروف بالمستظهري‏:‏ فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين شيخ الشافعية كان فقيه وقته تفقه أولاً على أبي عبدالله محمد بن بيان الكازروني وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب أبي محمد الجويني‏.‏

ثم رحل إلى بغداد ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي رحمه الله وقرأ عليه وأعاد عنده وقرأ كتاب الشامل في الفقه على أبي نصر بن الصباغ ودخل نيسابور صحبة الشيخ أبي إسحاق وتكلم في مسألة بين يدي إمام الحرمين فأحسن فيها وعاد إلى بغداد‏.‏

وذكر الحافظ عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور‏:‏ وتعين في الفقه بعد أستاذه أبي إسحاق وانتهت إليه رئاسة الطائمة الشافعية وصنف تصانيف حسنة منها‏:‏ كتاب حلية العلماء في المذهب ذكر فيه مذهب الشافعي ثم ضم إلى كل مسألة اختلاف الأئمة فيها وجمع من ذلك شيئاً كثيراً وسماه‏:‏ المستظهري وصنف أيضاً في الخلاف وتولى التدريس بالمدرسة النظامية بمدينة بغداد وكان قد وليها قبله الشيخ أبو إسحاق وأبو نصر بن الصباغ صحب الشامل وأبو سعد المتولي صاحب تتمة الإبانة وأبو حامد الغزالي والكيا الهراسي وقد سبق ذكر ذلك في ترجمه كل واحد منهم فلما انقرضوا تولاها هو‏.‏وحكى بعض المشايخ من علماء المذهب أنه يوماً ذكر المدرسين فوضع منديله على عينيه وبكى كثيراً - وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها وكان ينشد‏:‏ وجعل يردد هذا البيت ويبكي قيل‏:‏ هذا إنصاف منه واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه‏.‏

قلت وقد يقع مثل هذا البكاء ممزوجاً بفرح بما صار إليه وقد فرق العلماء بين بكاء الحزن والفرح بأن دمعة ذلك حارة ودمعة هذا باردة ذكروا ذلك عند بكاء البكر وقت استئذانها في نكاحها‏.‏

والبيت المذكور من جملة أبيات في الحماسة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ ذو الرحلة الواسعة والتصانيف‏:‏ محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني كان أحد الرحالين في طلب الحديث سمع بالحجاز والشام ومصر والثغور والجزيرة والعراق والجبال وفارس وخوزستان وخراسان واستوطن همذان‏.‏وكان من المشهورين بالحفظ والمعرفة لعلوم الحديث وله في ذلك مصنفات ومجموعات تدل على غزارة علمه وجودة معرفته منها أطراف الكتب الستة‏:‏ وهي صحيحا البخارى ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وسنن ابن ماجة سادسها عند بضهم والموطأ عند بعض‏.‏

وأطراف الغرائب‏:‏ تصنيف الدارقطني وكتاب الأنساب في جزء لطيف وهو الذي ذيله الحافظ أبو موسى الأصبهاني وغير ذلك من الكتب وله شعر حسن كتب عنه غير واحد من الحفاظ ثم رجع إلى بيت المقدس فأحرم من ثم إلى مكة وتوفي عند قدومه من الحج آخر حجاته يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى‏.‏والقيسراني بفتح القاف والسين المهملتين بينهما مثناة من تحت ثم راء مفتوحة وبعد الألف نون نسبة إلى قيسارية‏:‏ بليدة بالشام على ساحل البحر سمع بالقدس وبغداد ونيسابور وهراة وأصفهان وشيراز والري ودمشق ومصر‏.‏

قال الحافظ اسماعيل بن محمد بن الفضل‏:‏ أحفظ من رأيت‏:‏ محمد بن طاهر‏.‏

وقال السلفي‏:‏ سمعت ابن طاهر يقول‏:‏ كتبت البخاري ومسلماً وسنن أبي داود وابن ماجة سبع مرات‏.‏

وفيها توفي أبو المظفر محمد بن أبي العباس الأموي المعاوي اللغوي الشاعر الأخباري النسابه صاحب التصانيف والفصاحة والبلاغة وكان رئيساً عالي الهمة ذا سلف توفي بأصبهان مسموماً ومن شعره قوله‏:‏ ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت لنا رهبة أو رغبة عظماؤها فلما انتهت أيامنا علقت بنا شدائد أيام قليل رجاؤها وكان إلينا في السرور ابتسامها فصار علينا في الهموم بكاؤها وصرنا نلاقي النائبات بأوجه رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت علينا الليالي لم يدعنا جناؤها وله تصانيف كثيرة منها‏:‏ المؤتلف والمختلف وطبقات كل فن وما اختلف وائتلف في أنساب العرب وله في اللغة مصنفات لم يبسق إلى مثلها وكان حسن السيرة جميل الأمر‏.‏

وفيها توفي ابن اللبانة محمد بن عيسى اللغوي الأندلسي الأديب ومن جملة الأدباء وفحول الشعراء له تصانيف عديدة في الآداب وكان من شعراء دولة المعتمد بن عباد‏.‏

وفيها توفي المؤتمن بن أحمد أبو نصر الربعي الحافظ ويعرف بالساجي حافظ محقق واسع الرحلة كثير الكتابة متين الورع والديانة وكتب الشامل عن مؤلفه ابن الصباغ‏.‏

 سنة ثمان وخمس مائة

فيها هلك صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصاف طبرية المذكور فيما مضى‏.‏وفيها مات أحمد بك صاحب مراغة وكان شجاعاً جواداً عسكره خمسة آلاف فنكثت به الباطنية‏.‏

وفيها توفي أحمد بن غلبون أبو عبدالله الخولاني ثم القرطبي ثم الإشبيلي وكان صالحاً خيراً عالي الإسناد منفرداً‏.‏

وألب أرسلان صاحب حلب وابن صاحبها رضوان السلجوقي وكان سيىء السيرة فاسقاً فقتله البابا فأقام أخاه مقامه وكان طفلاً له ست سنين ثم قتل البابا سنة عشرة‏.‏

وفيها توفي أبو الوحش سبيع بن مسلم الدمشقي المقرىء الضرير وكان يقرىء من السحر إلى الظهر‏.‏وفيها توفي أبو القاسم علي بن ابراهيم بن العباس الحسني - الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث صاحب الأجزاء العشرين التي أخرجها له الخطيب وكان ثقة نبيلاً محتشماً مهيباً سيداً شريفاً صاحب حديث وسنة‏.‏

وفيها توفي السلطان مسعود صاحب الهند وغزنة وتملك بعد موته ولده أرسلان شاه وهو ابن عمه السلطان ملك شاه‏.‏

 سنة تسع وخمس مائة

فيها قدم عسكر السلطان محمد الشام فاستعان بالفرنج فأعانوه فأخذ كفرطاب وهي للفرنج وسار إلى المعرة وساق صاحب أنطاكية وكبس العسكر وكسرهم ورجع من سلم منهم منهزمين واستنصرت الفرنج على المسلمين‏.‏

وفيها توفي ابن ملة اسماعيل بن محمد الواعظ الأصبهاني المحدث صاحب المجالس‏.‏

وفيها توفي أبو شجاع الديلمي الهمداني الحافظ صاحب كتاب الفردوس وتاريخ همدان‏.‏توفي أبو الفرج غيث بن علي الصوري خطيب صور ومحدثها‏.‏

والشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي الشاعر المشهور‏.‏

وأبو البركات السفطي هبة الله بن المبارك البغدادي‏.‏

ويحيى بن تميم بن المعز السلطان أبو طاهر الحميري صاحب إفريقية نشر العدل وافتتح عدة قلاع لم يتهيأ لأبيه فتحها وكان جواداً ممدوحاً عالماً كثير المطالعة للأخبار والسير عارفاً بها رحيماً للضعفاء شفوقاً على الفقراء يطعمهم في الشدائد ويرفق بهم ويقرب أهل العلم والفضل من نفسه وكان عارفاً في صناعة النجوم حسن الوجه على حاجبه شامة أشهل العينين‏.‏

ولما كان يوم الأربعاء وهو عيد الأضحى من السنة المذكورة توفي فجأة وذلك أن منجمه قال له‏:‏ السير في موكبك في هذا النهار عليك نحس لا تركب فامتنع من الركوب وخرج أولاده ورجال دولته إلى المصلى فلما انقضت الصلاة حضر رجال الدولة على ما جرت به العادة للسلام وقرىء القرآن وأنشد الشعراء وانصرفوا إلى الإيوان فأكل الناس وقام يحيى إلى مجلس الطعام فلما وصل إلى باب المجلس أشار إلى جارية من حظاياه فاتكأ عليها فما خطا من باب البيت سوى ثلاث خطوات حتى وقع ميتاً‏.‏وخلف ثلاثين ابناً فتملك بعده ابنه علي ستة أعوام ومات فملكوا بعده الحسن بن علي وهو مراهق فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف سنة إحدى وأربعين وخمسمائة فخاف وفز من المهدية‏.‏

والتجأ إلى عبد المؤمن‏.‏قلت‏:‏ وهذا العلم وما ندب فيه من الحذر لا يغني عن وقوع ما سبق في علم الله تعالى من القدر‏.‏

ومن ذلك ما حكي أن بعض الملوك قال له بعض المنجمين‏:‏ أنت تموت في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية من عقرب تلدغك فلما كان قبل الساعه المذكورة تجرد من جميع لباسه سوى ما يستر العورة وركب فرساً بعد أن غسله ونظفه ونفض شعره ودخل بفرسه في البحر حذراً مما ذكر له من وقوع هذا الأمر فبينما هو كذلك فأجاءه ما يخشى من المهالك وذلك أن فرسه عطست فخرجت من أنفها عقرب فلدغته ولم يغنه ما رام من الاحتراز والهرب نسأل الله الكريم كمال الإيمان بنفاذ قدره والتسليم في كل ما جاء به الشارع وروى في خبره‏.‏

 سنة عشرة وخمس مائة

فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الجوزي الحافظ وكان عالماً حافظاً شاعراً‏.‏

وفيها توفي عبد الغفار بن محمد بن حسين النيسابوري مسند خراسان‏.‏وفيها توفي الصيرفي صاحب الأصم قال السمعاني‏:‏ كان صالحاً عابداً رحل إليه من البلاد‏.‏

وفيها توفي العسال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المصري الأديب شيخ الإقراء ببغداد‏.‏

وفيها توفي الخطاب محفوظ بن أحمد الأرحبي شيخ الحنابلة صاحب التصانيف‏.‏

وفيها توفي أبو طاهر محمد بن الحسين الدمشقي‏.‏

وفيها توفي أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو بكر محمد ابن الحافظ العلامة أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي والد الحافظ أبي سعد كان محمد المذكور إماماً فاضلاً محدثاً فقيهاً شافعياً وله الإملاء الذى لم يسبق إلى مثله تكلم على المتون والأسانيد وأبان مشكلاته وله عدة تصانيف وشعر غسله قبل موته‏.‏

 سنة احدى عشرة وخمس مائة

فيها غرقت سنجار وانهدم سورها وهلك خلق كثير وجر السيل باب المدينة مسير مرحلة فطمه السيل ثم انكشف بعد سنين وسلم طفل في سرير تعلق بزيتونة ثم عاش وكبر‏.‏

قلت ومن هذا النمط المذكور والعجائب الواقعة في الدهور ما سمعت أنه جاء السيل في جوف الليل فحمل قرية - وأهلها نائمون - ورمى بهم في البحر وفيهم صبية عروس طفت على ظاهر الماء كأنها محمولة على سرير ولم يتغبر كل ما عليها من الطيب والصنعة والحرير بقدرة اللطيف الخبير الذي هو على كل شيء قدير فوجدت حية قذفها البحر على الساحل وما مشى من المحذور إليها واصل‏.‏

وفيها توفي السلطان محمد بن ملك شاه بن ألب أرسلان التركي‏:‏ غياث الدين أبو شسجاع وكان فارساً شجاعاً فحلاً ذا بر ومعروف وخلف له أربعة أولاد‏:‏ محمود ومسعود وسليمان وطغرل بك وقام بعده ابنه محمود وهو أبن أربع عشرة سنة ففرق الأموال وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل‏.‏

وكان السلطان محمد المذكور لما مات أبوه وقد دخل بغداد هو وأخوه سنجر فخلع عليهما الإمام المستظهر بالله فالتمس محمد المذكور من أمير المؤمنين أن يجلس له ولأخيه فأجيب إلى ذلك وجلس لهما في قبة التاج وحضر أرباب المناضب وأبناؤهم وجلس أمير المؤمنين على سدته ووقف سيف الدولة ابن مزيد صاحب الحلة عن يمين السدة - وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى رأسه العمامة وبين يديه القضيب وخلع على محمد الخلع السبع التي جرت عادة السلاطين بها وألبس الطوق والتاج والسوارين وعقد له الخليفة اللواء بيده وقلده سيفين وأعطاه خمسة أفراس براكبها وخلع على أخيه سنجر خلعة أمثاله وخطب لمحمد بالسلطنة في جامع بغداد - كما جرى عادتهم في ذلك الزمان - وذلك في خمس وتسعين وأربع مائة على ما ذكر بعضهم وذكر غير واحد من المؤرخين أنها سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة‏.‏

وذكر بعضهم أن الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله تعالى قال للسلطان محمد ابن ملك شاه‏:‏ اعلم يا سلطان العالم أن بني آدم طائفتان‏:‏ طائفة عقلاء نظروا إلى مشاهدة حال الدنيا وتمسكوا ابامل العمر الطويل ولم يتفكروا في النفس الأخير وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخيرة نصب أعينهم لينظروا ماذا يكون مصيرهم وكيف يخرجون من الدنيا ويفارقونها وإيمانهم سالم وما الذي ينزل عن الدنيا إلى قبورهم وما الذي يتركونه لأعاديهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله‏.‏

ثم إن السلطان محمداً ابن ملك شاه جرت بينه وبين أخيه بركيا روق حروب يطول ذكرها وكان قد خطب لأخيه من قبله في بغداد فقطعت الخطبة له وخطب لمحمد واستقل بمملكته‏.‏

ولما مات أخوه ولم يبقى له منازع وصفت له الدنيا وأقام على ذلك مدة ثم مرض زماناً طويلاً وتوفي في الخميس الرإبع والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة بمدينة أصبهان‏.‏

ولما أيس من نفسه أحضر ولده محموداً وقبله وبكى كل واحد منهما وأمره أن يخرج ويجلس على تخت السلطنة وينظر في أمور الناس‏.‏

فقال لوالده‏:‏ إنه يوم غير مبارك يعني من طريق النجوم - فقال‏:‏ صدقت ولكن على أبيك وأما عليك فمبارك بالسلطنة فخرج وجلس على التخت بالتاج والسوارين وتزوج الإمام المقتفي لأمر الله فاطمة بنت السلطان محمد المذكور فدخلت إلى دار الخلافة بالزفاف ويقال فيما ذكر لها من المناقب أنه كان لها التدبير الصائب‏.‏

وفي السنة المذكورة ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لما بلغهم موت السلطان محمد‏.‏وفيها توفي أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد البغدادي راوي سنن الدارقطني وكان رئيساً وافر الجلالة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ محمد بن إسحاق ابن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني صاحب التاريخ سمع من البيهقي وطبقته وقال‏:‏ السمعاني جليل القدر وافر الفضل واسع الرواية حافظ كثير التصانيف بعيد من التكلف سمع من خلائق وكتب عنه الشيوخ منهم القطب الذي خضعت لقدمه رقاب الأولياء الأكابر شيخ الشيوخ أبو محمد محيي الدين عبد القادر صاحب المقام العالي المعروف بالجيلاني وجماعة من كبار الشيوخ‏.‏

وذكره الحافظ السمعاني في كتاب الذيل وغيره من كبار المؤرخين وذكروا جلالته في الفضل وكونه من بيت علم بدىء بيحيى وختم بيحيى يريدون في معرفة الحديث والعلم والفضل - وكان يحيى المذكور كثيراً ما ينشد لبعضهم‏.‏

عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى وللمشتري دنياه بالدين أعجب وأعجب من هذين من باع دينه بدنيا سواه فهو من ذين أخيب وفيها توفي مسند العراق أبو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد الكرخي‏.‏

روى عن ابن شاذان وغيره قال ابن ناصر‏:‏ فيه تشيع صحيح بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم وقال غيره‏:‏ عاش مائة سنة كاملة وله شعر وأدب‏.‏

 سنة اثنتي عشرة وخمس مائة

في الثالث والعشرين من ربيع الآخر منها توفي الإمام المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله العباسي وله اثنتان وأربعون سنة وكانت خلافته خمساً وعشرين سنة وكان قوي الكتابة جيد الأدب والفضيلة كريم الأخلاق مسارعاً في أعمال البر‏.‏وفيها توفي أبو الفضل بكر نن محمد الأنصاري الجابري الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر وعالم تلك الديار ومن كان يضرب به المثل في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه المقلب بشمس الأئمة‏.‏

وفيها توفي أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي المقلب بنور الهدى‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم الأنصاري العلامة سليمان بن ناصر النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ إمام الحرمين صاحب التصانيف كان صوفياً زاهداً من أصحاب الأستاذ أبي القاسم القشيري‏.‏

روى الحديث عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة‏.‏

 سنة ثلاث عشرة وخمس مائة

فيها كانت وقعة هائلة بخراسان بين سنجر وبين ابن أخيه محمود بن محمد فانكسر محمود ثم وقع الاتفاق وتزوج بابنة سنجر‏.‏

وتم فيها كانت الفتنة بين صاحب مصر والأمير أتابك أمير الجيوش الأفضل وتمت لهما خطوب ودس الأفضل على الأمير من يسمه مراراً فلم يمكن ذلك‏.‏

وفيها ظهر قبر ابراهيم الخليل - صلوات الله عليه - وإسحاق ويعقوب - عليهم الصلاة والسلام - ورآهم جماعة لم تبل أجسامهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضة ذكره ابن حمزة بن القلانسي - بالنون والشين المعجمة - في تاريخه‏.‏

وفيها توفي شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف ومؤلف كتاب الفنون الذي يزيد على أربعمائة مجلد علي بن عقيل البغدادي الظفري وكان إماماً مبرزاً كبير العلوم خارق الذكاء مكباً على الاشتغال والتصنيف تفقه على القاضي أبي يعلى وغيره وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التيان وغيره وروى عن أبي محمد الجوهري قال السلفي‏:‏ ما رأيت مثله وما يقدر أحد أن يتكلم معه لغزارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسين الدامغاني علي ابن قاضي القضاة أبي عبدالله محمد بن علي الحنفي ولي القضاء أربعاً وعشرين سنة وكان ذا حزم ورأي وسؤدد وهيبة وافرة وديانة ظاهرة‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن طرخان التركي ثم البغدادي المحدث النحوي أحد الفضلاء روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته وتفقه على الشيخ أبي إسحاق وكان ينسخ بالأجرة وفيه زهد وورع تام‏.‏

وفيها توفي أبو سعد المبارك بن علي من كبار أئمة المذهب‏.‏

روى عن القاضي أبي يعلى وجماعة وتفقه على الشريف أبي جعفر بن أبي موسى‏.‏

فيها كان المصاف بين السلطان محمود وأخيه مسعود صاحب أذربيجان والموصل وله يومئذ إحدى عشرة سنة فلما التقوا انهزم مسعود وأسر وزيره وفي هذا الوقت كان ظهور ابن تومرت بالمغرب‏.‏

وفيها قتل في حصن تعز من بلاد اليمن أسعد بن أبي الفتوح بن العلاء بن الوليد الحميري قتله رجلان من أصحابه ودفن في الحصن قيل‏:‏ فلما قدم من بني أيوب سيف الإسلام إلى اليمن نبش وأخرج إلى مقابر المسلمين‏.‏

وفيها وقيل في التي بعدها توفي في الجند الفقيه الإمام عالم العلماء مفيد الطالبين وقدوة الأنام زيد بن عبدالله اليمني - اليفاعي بالفاء قبل الألف وبعد المثناة من تحت - نسبة إلى يفاعة‏:‏ مكان في اليمن‏.‏تفقه على الشيخ الإمام أبي بكر بن جعفر بن عبد الرحيم المخائي - نسبة إلى المخا‏:‏ بالخاء المعجمة المخففة وفتح الميم قبلها مكان قريب من زبيد على ساحل البحر - توفي أبو بكر المذكور سنة خمس مائة أخذ عنه جماعة وكان يحفظ المجموع للمحاملي والجامع في الخلاف لأبى جعفر - على ما نقل الإمام طاهر ابن الإمام العلامة يحيى صاحب البيان عن والده المذكور - وتفقه زيد أيضاً بصهره الإمام إسحاق بن يوسف الصروفي ثم ارتحل إلى مكة في المرة الأولى فأدرك فيها تلميذي الشيخ الإمام أبي إسحاق الشيرازي مصنف المهذب وهما الحسين بن علي الشاشي الطبري مصنف العدة وأبو نصر البندنيجي مصنف المعتمد في الخلاف فقرأ عليهما وطريقه في المهذب وكتاب التبصرة في علم الكلام في أصول الدين إلى أبي نصر البندنيجي‏.‏

وذكر ابن سمرة أنه لما رجع زيد المذكور من مكة إلى الجند سنة اثنتي عشرة وخمس مائة اجتمع عنده في الجند ما يزيد على مائتي رجل من أجلة الفقهاء من تهامة وأبين وحضرموت والشحر والشام وغير ذلك وقرأ الإمام يحيى بن أبي الخير عليه النكت في الخلاف‏:‏ تصنيف الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع عليه أيضاً بقراءة الفقيهين الإمام عبدالله الهمداني وعبدالله بن يحيى الصعبي وبقراءة غيرهما من الفقهاء الأجلة عدة كتب في الفقه والخلاف والأصول وذلك في دولة السلطان أبي الفتوح الحميري فعظم حال الفقيه وجمل أمره واجتمع المؤالف - والمخالف على مودته وكان لا يصلي في الجامع إلا الجمعة في آخر المسجد‏.‏

قلت لعل تأخره عند حضور الجماعة في الصلوات لما يخشى من الضرر في اجتماع الناس عليه وازدحامهم بحسن اعتقادهم فيه أو غير ذلك من الآفات كما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي أنه رأى بمكة بعض العارفين يصلي في بيته لا يحضر المسجد الحرام فسأله عن ذلك فذكر كلاماً معناه أنه يدخل عليه من الضرر في الخروج أكثر مما يدخل عليه النفع‏.‏

رجعنا إلى ذكر زيد اليفاعي‏:‏ روى ابن سمرة عن بعض من أدرك أنه قال‏:‏ دخلت الجند أستفتيه عن مسألة في الفرائض - وكان صغير الخلق دقيق الجسم - فوجدته يدرس أصحابه في دهليز بيته فهبته هيبة عظيمة فغلطت سؤالي ورددت كلامي فآنسني بكلامه وأجابني عن سؤال بأحسن الجواب‏.‏

قلت وقوله‏:‏ كان صغير الخلق دقيق الجسم‏:‏ أراد بذلك الإعلام بحليته والتعريف دون الانتقاص والتعنيف وقد وجد مثل هذا الخلق في كثير من العلماء والأولياء على ما اقتضت حكمة العليم القدير من التفاوت بين الكبير من الخلق والصغير‏.‏

وحكى ابن سمرة أنه سئل بعض الفقهاء بحضرة الإمام زيد المذكور عن الفقيه ابراهيم ابن علي ابن الإمام الحسين بن علي الطبري مصنف كتاب العدة كيف كان حاله في العلم فقال‏:‏ هو مجود ولولا أنه اشتغل بالعبادة مع الصوفية لكان في الفقه إماماً وفي الخلاف كاملاً‏.‏

قال الراوي‏:‏ وكان حاضراً فقلت له‏:‏ طريقته هذه غير ملومة ولا مكروهة فقال لي‏:‏ كان الشيخ - يعني جده القاضي حسين الطبري المذكور - يكره ذلك ويقول‏:‏ اشتغال العالم بالعبادة فرار من العلم فأعجب أو قال‏:‏ أعجب زيد بهذه الحكمة‏.‏وقلت‏:‏ هذا صحيح لأن الحرص في العلم يقوم مقام العبادة ولو كان فيه بعض قساوة انتهى وهو بعض كلامه وذكر بعده ما يوافقه من أقوال بعض الفقهاء‏.‏

قلت ولا شك أن فضل العلم وشرفه معروفان ولكن الشأن في إخلاصه والعمل به فإذا حصل ذلك فهو النهاية ومع هذا فأحوال الناس مختلفة وقد قسمتهم في كتاب الإرشاد على خمسة أقسام وليس إطلاق الكلام في الندب إلى إحدى الطريقين صحيحاً بل لا بد من تفصيل فمن كان له نية صحيحة في العلم ونجابة في الفهم ولم يغلب عليه أحوال الرجال المشاهدين لنور الجمال فلا شك أن هذا يندب له المبادرة وبذل المجهود في الاشتغال بالعلم مع مزج ذلك بشيء من العبادة ولزوم سيرة السلف من التعفف والتورع والتقلل من الدنيا وإن كان في ذلك ما ذكر من بعض القساوة فقد أنصف في ذلك وأما من لم يكن كما ذكرنا إما لعدم صلاح النية وإما لعدم القابلية وإما لخوف كثرة الآفات في المخالطات وإما لإمتلاء القلب بمحبة العبادات واستئناسه بالمناجاة في الخلوات وإما لورود الأحوال ووجود المشاهدات أعني مشاهدة نور الجمال واستيلاء هيبة العظمة والحلال فكل هؤلاء واقفون مع ما ورد على قلوبهم لكلى قوم مشرب وفي الهوى مذهب ولقد أحسن قائلهم‏.‏

كانت لقلبي أهواء مفرقة فاستجمعت إذ رأتك العين أهوائي تركت للناس دنياهم ودينهم شغلاً بحبك يا ديني ودنياي ولقد وقع بي في ابتداء اشتغالي بالعلم خاطر أن ألقياني في مجاذبتهما‏:‏ أحدهما يجذبني إلى العلم طلباً لفضله والآخر إلى العبادة لوجود حلاوة فيها وسلامة من آفات المخالطات والتشتت في البحث والمجادلات واشتعل في باطني مثل النار في القريحة المحرورة للمجاذبة المذكورة ثم حصلت والحمد لله إشارة أذهبت عني ذلك الاحتراق مردتني إلى التسليم إلى ما سبق به القضاء بتقدير الخلاق وذلك أني في حال تلك الشدة لما قلقت ولم أستطع نوماً ولا قراراً ومعي كتاب أطالعه ليلاً ونهاراً فتحته في ذلك الوقت فرأيت فيه ورقة قابلتني أول ما فتحته ولم أرها قبل ذلك مع طول ما طلبته وفيها أبيات ما كنت سمعتها وهي‏:‏ كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضا فلربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا ولرب أمرمتعب لك في عواقبه رضا الله يفعل ما يشاء فلا تكن متعرضا فلما قرأتها كأنما صب ماء على تلك النار فرد ذلك الاحتراق وذهبت تلك الأكدار وأنشد لسان مقالي في تلك الوقت ما يوافق حالي وناديت قلبي‏:‏ اسمع وخذ بالإشارة فيا حسن ما في ضمها من بشارة ودربي مع ريح القضا حيث دارت وسلم لسلمى ثم سر حيث سارت عسى من خدور الحي تبدو بدورها توسلت حتى أقبلتك ثغورها ألا يا لقومي أعلموني بحيلة إلى وصل خودات كعاب جميلة أراك الحمى قل لي بأي وسيلة إذا ما بدت ناديت في كل حيلة وإيناس نفسي بعد زفري وحضرتي رحمت على صبري على كل كربة ثم استمريت في مدة يسيرة بشيء من الأشغال والاشتغال بالعلم مع مزج ذلك يتخلل البطالات ثم خطر لي عند وقوفي على كلام الفقهاء الذين نحن بصدده هذه الأبيات‏:‏ تقضى زماني والقضاء مصرفي وكان إلى العلم الشريف تشوفي وما كانت الأيام إلا قلائلاً به ثم مال القلب نحو التصوف ومن لم يسل في دهره نحوه يمت ولم يهو من صاحي جمالاً ويعرف فإن كنت ذا جهل بمنهج حبه ومشربه سل عنه أهل التعرف قلت وفضل التصوف وأهله أولي الصفاء والأنوار والمعارف والأسرار والقرب والمنادمات والحضرة والمشاهدات لا يسعه مجلدات وقد ذكرت نبذة من ذلك في كتاب الأسرار والنظير في فضل ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه العزيز وفضل الأولياء والناسكين والفقراء والمساكين وفي كتاب روض الرياحين في حكايات الصالحين وفي كتاب نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية قدس الله تعالى أرواحهم ونور ضرائحهم ونفعنا ببركاتهم وجعلنا معهم في محياهم ومماتهم آمين ولله در قائلهم في وصف راح الهوى المعمورة من نور الجمال التي سكر بها المحبون أولو الأحوال حيث أنشد وقال‏:‏

على نفسه فليبك من ضاع عمره ** وليس له منها نصيب ولاسهم

وفيها توفي أبو علي الحسن بن خلف القيراوني المقرىء صاحب تلخيص العبارات في القراءات‏.‏

والوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الأصبهاني صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملك شاه كان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لامية العجم‏.‏

والحافظ الكبير أبو علي بن سكرة حسين بن محمد الأندلسي حج سنة إحدى وثمانين وسمع ببغداد من البانياسي وطبقته وأخذ التعليقة الكبرى عن أبي بكر الإمام الشاشي المستظهري واخذ بدمشق عن الفقيه الإمام نصر المقدسي ورد إلى بلاده بعلم جم وبرع في الحديث وفنونه وصنف التصانيف‏.‏

فأكره على القضاء فوليه ثم اختفى حتى عفي واستشهد في المصاف وهو أبناء الستين‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو نصر عبد الرحمن ابن الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري كان إماماً كبيراً أشبه أباه في علومه ومجالسه وواظب على حضور درس إمام الحرمين حتى حصل طريقته في المذهب والخلاف‏.‏ثم خرج فوصل الى بغداد وعقد بها مجلس وعظ وحصل له قبول عظيم وحضر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مجلسه‏.‏

وأطبق علماء بغداد على أنهم لم يروا مثله‏.‏وكان يعظ في المدرسة النظامية ورباط شيخ الشيوخ وله مع الحنابلة خصام بسبب الاعتقاد إذ هو وأبو وشيخه إمام الحرمين وغيرهم من أكابر العلماء ورؤوس الأشاعرة وانتهى الأمر إلى فتنة بين الفريقين قتل فيها جماعة من الطائفتين وركب أحد أولاد نظام الملك حتى سكنها وبلغ الخبر نظام الملك وهو بأصبهان وسير إليه استدعاءه فلما حضر عنده زاد في إكرامه ثم جهزه إلى نيسابور فلما وصل إليها لازم الوعظ والدرس إلى أن قارب انتهاء أمره فأصابه ضعف في أعضائه وقال بعضهم‏:‏ فالج فأقام لذلك مقدار شهر ثم توفي ضحوة نهار الجمعة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة بنيسابور ودفن بالمشهد المعروف بهم وكان يحفظ من الشعر والحكايات شيئاً كثيراً‏.‏

وأبو منصور محمود بن اسماعيل الصيرفي الأشقر راوي المعجم الكبير للطبراني‏.‏

قال السلفي‏:‏ كان صالحاً‏.‏

 سنة خمس عشرة وخمس مائة

فيها احترقت دار السلطنة ببغداد فتلف ما قيمته ألف ألف دينار‏.‏

وفيها توفي أبو علي الحداد‏:‏ الحسن بن أحمد الأصبهاني المقرىء المجود مسند الوقت وكان مع علو إسناده أوسع أهل زمانه رواية حمل الكثير عن أبي نعيم وكا ن خيراً صالحاً‏.‏

وفيها توفي الملك الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني كان الملك الأفضل وزيراً للمستعلي العبيدي وكان حسن التدبير فحل الرأي وهو الذي أقام المستعلي بعد موت أبيه المستنصر مقامه وخلف من الأموال ما لم يسمع بمثلهما قيل إنه خلف ستمائة ألف دينار عيناً ومائتين وخمسين إردباً دراهم نقد مصر وخمساً وسبعين ألف ثوب ديباج أطلس وثلاثين راحلة أخفافها من ذهب عراقي وداوة ذهب فيها جوهر قيمته أثنا عشر ألف دينار ومائة مسمار من ذهب وزن كل مسمار مائة مثقال في عشرة مجالس في كل مجلس عشرة مسامير على كل مسمار منديل مشدود بذهب من الألوان أيما أحب منها لبسه - وخمس مائة صندوق لكسوته خاصة من دف دمياط وبلد أخرى سموها وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والطيب والتجمل والحلي ما لا يعلم قدره إلا الله وخلف خارجاً من ذلك من البقر والجواميس والغنم كما يطول عدده وبلغ ضمان ألبانها في سنة وفاته ثلاثين ألف دينار ووجد في تركته صندوقان كبيران فيهما إبر ذهب برسم النساء والجواري‏.‏

وكان شهماً مهيباً بعيد الغور ولي وزارة السيف والقلم وإليه قضاء القضاة والتقدم على الدعاة في ولاية المستعلي ثم الأمر وكانا معه صورة بلا معنى وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم وأمات شعار دعوة الباطنية فنقموه لذلك ووثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه وحملوه بآخر رمق وقيل إن الأمير دسهم عليه بتدبير أبي عبدالله البطائحي الذي وزر بعده ولقب بالمأمون‏.‏

وفيها توفي أبو المصري المنزل والوفاة كان من أئمة الأدب خصوصاً اللغة وله تصانيف نافعة منها كتاب الأفعال أحسن فيه كل الإحسان وهو أجود من الأفعال لابن القوطبة وإن كان ذاك سبقه إليه وله كتاب أبنية الأسماء جمع فيه فأوعب وعروض حسن جيد وكتاب الدرة الخطيرة المختارة من شعر الجزيرة ولمح اللمح جمع فيه خلقاً من علماء الأندلس قرأ الأدب على فضلاء صقلية كابن البراء اللغوي وأمثاله وأجاد النحو غاية الإجادة ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج ووصل إلى مصر في حدود سنة خمس مائة وبالغ أهل مصر في إكرامه ومن شعره‏:‏ وشادن لبيانه عقد حلت عقودي وأوهنت جلدي عابوه جهلاً بها فقلت لهم أما سمعتم بالنفث في العقد وله شعر كثير توفي بمصر‏:‏ وفيها توفي الحافظ أبو الخير بن عوض الهروي‏.‏

كان عالماً صاحب حديث وإفادة حريصاً على الطلب‏.‏

 سنة ست عشرة وخمس مائة

توفي الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي المحدث المقرىء صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان كان سيداً زاهداً قانعاً يأكل الخبز وحده فليم في ذلك فصار يأكله بالزيت وكان أبوه يصنع الفراء توفي بمروروذ ودفن عند شيخه القاضي حسين أخذ الفقه عنه وصنف في تفسير كلام الله تعالى وأوضح المشكلات من قوله صلى الله عليه وآله وسلم وروى الحديث ودرس وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة وصنف كتباً كثيرة منها‏:‏ كتاب التهذيب في الفقه وشرح السنة في الحديث ومعالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم وكتاب المصابيح والجمع بين الصحيحين وغير ذلك والبغوي نسبة إلى بلدة بخراسان بين مرو وهراة يقال لها بغ بالباء الموحدة والغين المعجمة‏.‏

والحافظ أبو محمد عبدالله بن أحمد السمرقندي سمع من أبي بكر الخطيب وجماعة ورحل إلى نيسابور وأصبهان‏.‏

وأبو القاسم بن الفحام الصقلي‏:‏ عبد الرحمن بن أبي بكر مصنف التجويد في القراءات‏.‏

وأبو محمد الحرير‏:‏ صاحب المقامات القاسم بن علي بن محمد البصري الأديب حامل لواء البراعة وفارس النظم والنثر ونسجهما بظرافة الصناعة كان من رؤساء بلده روى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسين وغيره وعاش سبعين سنة ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها حتى قال بعض الفضلاء‏:‏ من عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل وكثرة إطلاعه وغزارة مادته‏.‏

وكان سبب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم عبدالله قال‏:‏ كان أبي جالساً في مسجد بني حرام فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر رث الحال فصيح الكلام حسن العبارة فسألته الجماعة‏:‏ من أين الشيخ فقال‏:‏ من سروج فاستخبروه عن كنيته قال‏:‏ أبو زيد فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية وهي الثامنة والأربعون وعزاها إلى أبي زيد المذكور واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أبا نصر القاشاني - بالقاف والشين المعجمة - وزير الإمام المسترشد باللة فلما وقف عليها أعجبته وأشار على والدي أن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين مقامة‏.‏

وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله‏:‏ فأشار من إشارته حكم وطاعته غنم إلى أن أنشىء مقامات أتلو فيها تلوالبديع وإن لم يدرك الظالع شيئاً والضليع‏.‏

هكذا وجد في عدة تواريخ في نسخة من المقامات عليها خطه وقد كتب بخطه أيضاً على ظهرها أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي علي الحسن بن أبي المعز علي ابن صدقة وزير المسترشد قيل‏:‏ وهذا أصح من الرواية الأولى لكونه بخط المصنف والله أعلم‏.‏وذكر القاضي أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني وزير حلب في كتابه المسمى أنباء الرواة على أبناء النجاة أن أبا زيد المذكور اسمه المطهر بن سلار وكان بصيرياً نحوياً لغوياً وصحب الحريري المذكور واشتغل عليه بالبصرة وتخرج به روى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد الميداني الواسطي ملحة الإعراب للحريري وذكر أنه سمعها منه عن الحريري وقال‏:‏ قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة فسمعنا منه وتوتجه منها مصعداً إلى بغداد فوصلها وأقام مدة يسيرة وتوفي بها رحمه الله تعالى‏.‏

وأما تسمية الراوي لها بالحارث بن همام فإنما عنى به نفسه هكذا ذكر ابن خلكان وقال‏:‏ وقفت عليه في بعض شروح المقامات وهو مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ كلكم حارث وكلكم همام فالحارث‏:‏ الكاسب والهمام‏:‏ كثير الاهتمام وما من شخص إلا وهو حارث وهمام لأن كل أحد كاسب ومهتم بأموره‏.‏

وقد اعتنى بشرحها خلق كثير فمنهم من طول ومنهم من اختصر قال ابن خلكان‏:‏ ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل المقامات كان قد عملها أربعين مقامة وحملها من البصرة إلى بغداد فادعاها فلم يصدقه من أدباء بغداد وقالوا إنها ليست من تصنيفه بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فادعاها فاستدعاه الوزير إلى الديوان وسأله عن صناعته فقال‏:‏ أنا رجل منشىء فاقترح عليه إنشاء الرسالة في واقعة عينها فانفرد في ناحية عن الديوان وأخذ الدواة والورقة ومكث زماناً كثيراً فلم يفتح الله سبحانه عليه بشيء من ذلك فقام وهو خجلان وكان في جملة من أنكر دعواه في عملها أبو القاسم بن أفلح الشاعر فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها شيخ لنا من ربيعة الفرس ينتف عثنوته من الهوس أنطقه الله بالمشان كما رماه وسط الديوان بالخرس وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس وكان مولعاً ينتف لحيته عند الفكرة وكان يسكن في مشان البصرة فلما رجع إلى بلده عمل عشر مقامات أخر وسيرهن واعتذر من عيه وحصره بالديوان بما لحقه من المهابة وللحريري تاليف حسان منها‏:‏ درة الغواص في أوهام الخواص ومنها ملحة الإعراب منظومة في النحو والآداب وله أيضاً شرحها وله ديوان رسائل وشعر كثير غير شعره الذي في المقامات ومن ذلك قوله‏:‏

قال العواذل ما هذا الغرام به ** أما ترى الشعر في خديه قد نبتا

فقلت والله لو أن المفند لي ** تأمل الرشد في عينيه ما ثبتا

ومن أقام بأرض وهي مجدبة ** فكيف يرحل منها والربيع أتى وله قصائد استعمل فيها التجنيس كثيراً ويحكى أنه كان دميماً قبيح المنظر فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئاً من شعره فلما رآه استزرى شكله ففهم الحريري ذلك منه فلما التمس أن يملي عليه قال‏:‏ اكتب‏.‏

ما أنت أول سار غره قمر ورائد أعجبته خضرة الدمن فخجل الرجل منه وانصرف عنه‏.‏

والمعيدي‏:‏ بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون المثناة من تحت وبعدها دال مهملة مكسورة‏:‏ رجل منسوب إلى معد بن عدنان وقد نسبوه بعدما صغروه وخففوا منه الدال وفيه جاء المثل المشهور‏:‏ لأن تسمع بالمعيد خير من أن تراه وهذا المثل يضرب لمن له صيت وذكر ولا منظر له قال المفضل الضبي‏:‏ أول من تكلم بهذا المثل المنذر بن ماء السماء قاله لمشقة بن ضمرة التميمي الدارمي وكان قد سمع بذكره فلما رآه قبحه فقال له هذا المثل وسار عنه فقال له شقة‏:‏ أبيت اللعن إن الرجال ليسوا بحرزير مراد منها الأجسام إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه فأعجب المنذر بما رأى من عقله وبيانه ومن شعر الحريري قوله‏:‏

لا تزر من تحب في كل شهر ** غير يوم ولاتزده عليه

فاضتياء الهلال في الشهر يوم ** ثم لا تنظر العيون إليه

قلت‏:‏ وقد عارضت بيتي الحريري اللذين أطلق فيهما الزيارة في كل شهر مرة تشبيهاً بالهلال بأبيات فصلت فيها بين المزورين المتفاوتين في الأحوال وأشرت إلى أن - بعضهم وهو أخصهم بالمودة والأنس - يزار كل يوم كالشمس وبعضهم ممن يليه في الود والدفعة في كل أسبوع كالجمعة وبعضهم ممن قل وده أو شق بعمه أو كان مع قرب الدار يؤثر قلة المزار وملاقاة الرجال في الشهر مرة كالهلال وبعضهم ممن نأت به البلاد وإن كان من أهل الصحبة والوداد - في السنة مرتين تشبيهاً بالعيدين كما يختلف بالقرب وبعد البلاد ويختلف بالقلة وكثرة الوداد فصلت بين الحالات المذكورات بهذه الأبيات‏:‏ لا تزرنا في الحمى كل عام غير مثنى على مرور الدهور هل ترى العيد زائراً كل عام غير ثنتين عائداً بالسرور أو دنت داره ففي كل يوم فيه للشمس بهجة بالظهور أو ترى بين قرب دار وبعد زر كما زاره هلال الشهور أو ترى قدر بعده دون هذا بالجمع تلك ضاحكات الثغور يجتلي حسنه بغر الليالي أو يزهر قد اكتسى ثوب نور إن تساووا محاسناً سار أولاً فاوتن بالكواكب كالبدور غير أن المزار في كل يوم عند حب غرامه في الصدور واعتدال بحبها زاد حباً عند من زرت في خبا أو قصور والذي يؤثر التقلل مثلي زر قليلاً بذاك كثر الأجور خذ مقالي مفصلاً ذا وضوح ما به مشكل ولا ذو قصور رحم الله متقنا صنعه في ضيق لحد مجاور للقبور فعسى الله دعوة من شقيق فأرى ما نظمت في ذي السطور وكذلك عارضت قصيدته التي فضل بها الغني على الفقير ومن جملتها قوله في هذه الأبيات‏:‏

فانظر بعينك هل أرض معطلة ** من النبات كأرض حفها الشجر

أبعد عما تيسر الأغنياء به ** فأي فضل له ود ما له ثمر

وارحل ركابك عن أرض ظمئت بها ** إلى الجنان الذي يهمي به المطر

وعارضته بقصيدة وسميتها المنهج الأسنى في تفضيل الفقر على الغنى هذه الأبيات منها‏:‏

قل للحريري من ذا في الحرير غدا ** وقصر در وحور زانها الحور

وفاكهات وأنهار مدفقة ** شهيدو وكثبان مسك والحصى درر

وجل نور وياقوت ** أسرتها تزهو براكبها والحسن والسرر

وطيب عيش ترى كل النعيم به ** ما تشتهي النفس مما ليس ينحصر

والضد في ضنك أهوال وروعتها** سنين خمس منير جابذ الخبر

إذا هشيماً رأى الغصن البصير له ** تذري الرياح به قد حلت الغير

يحكي سراباً ظن ذو ظمأ ** أو حلم نوم فلم يوجد له أثر

انقد بعين فؤاد جوهراً لهما ** عين البصيرة تدري الحسن لا البصر

فجوهر الفقر تزهو جوهريته ** بالحك والمال زيف حين يختبر

وإنظر هل الزرع في أرض مجردة ** كزرع أرض وفيها الغيث والشجر

إن الفقير الذي للفقر مصطبر ** هو الغني والغنى بالمال مفتقر

يكفيك لو كان الفؤاد له ** نوع اعتبار إذا مرت به الغير

من ليس يغنيه منا وادياً ذهب ** يهلع ويجمع ولا يشبع ويدخر

مستقبلاً فيه آفات معجلة ** وفي المال لصافي الماء جا كدر

شغلاً عن الله مع حب لمبغضة ** ورب هول غدا والنار تستعر

والفقر كم من سعادات يحوز بها ** بفوز حلب لها بالسبق تبتدر

مع الفراغ لطاعات مقربة ** ممن هو الملك الوهاب مقتدر

ساحوا وباحوا وصاحوا صار ** مدحتهم خلع العذار لحى العذال أو غدروا

يا سعد عبد غني القلب ذي أرب ** راض بمقدور مولى ما به ضجر

من فتية زارعي الخيرات أرضهم ** نقوا من الغيث والأشجار إذ بذروا

إن قيل بأفضل من لا يحتلي محلاً ** ممدوحة أي فضل فيه يفتخر

قل حب محبوب ونصر هدى ** ليافعي رجا هذين مدخر

مع من أحب يكون المرء يومئذ ** والأجر حق لقوم للهدى نصروا

في كل هذا نصوص الشرع ناطقة ** مع الكتاب حديث صح مشتهر

وما لعبد نزول فوق منزلة ** أولاه مولاه بل يرضى ويأتمر

لا بد في الملك من ترتيب مملكة ** لو لم يكن ما نهى الناهون أو أمروا

فيها أمير وجندي له ** وبها وزير ملك ومخدوم ومحتقر

في الخلق دار بنوه وفق حكمتهم ** وقدروا الأمر فيه حسب ما قدروا

فكيف ترتيب خدام لمملكة ** عن حكمة الحق ما قد قدر القدر

سلم له وارض بالمقدور إن له ** حكماً به مودع سر له خبر

فطاعة الحكيم مع تسليم حكمته ** وظيفة العبد راضيها له خطر

فنسأل الله توفيق القيام بها ** والصرف عن كل وصف ضمنه خطر

ها هي بدت في حكمي فقر معارضه ** من في الحرير الغني بالمال يفتخر

مصونة جا حسن مخدرة ** عن غير كفو فعنه الحسن مستتر

عن أربعين لقد فاقت بأربعة ** من سبعة نيف سبعين مختصر

ختامها حمد ربي والصلاة على ** ختام رسل سراج دونه القمر

يعني أن الأبيات المذكورة هنا أربعة وأربعون مختصرة من قصيدة له مشتملة على سبعة وسبعين بيتاً‏.‏

توفي الحريري رحمه تعالى الله في السنة المذكورة وقيل في سنة خمسين بالبصرة في سكة بني حرام فنسب إليهم من هذه السكة التي سكن بها وكانت ولادته في سنة ست وأربعين وأربعمائة‏.‏

والمشان بفتح الميم والشين المعجمة بعد الألف نون‏:‏ بليدة فوق البصرة كثيرة النخل شديدة الوخم وكان أصل الحريري منها ويقال إنه كان له ثمانية عشر ألف نخلة وكان فاضلاً نبيلاً جليل القدر له تاريخ لطيف سماه‏:‏ صدور زمان القبور وقبور زمان الصدور نقل منه العلماء والأصبهاني في كتاب‏:‏ نصرة الفترة وعصرة الفترة الذي ذكر فيه أخبار الدولة السلجوقية نقلاً كثيراً وفيها توفي الحافظ أبو عبدالله محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الدقاق كان محدثاً أثرياً فقيراً متقللاً سنة سبع عشرة وخمس مائة في أولها التقى الخليفة المسترشد بالله ودبيس الأسدي وكان دبيس قد طغى وتمرد ووعد عسكره بنهب بغداد وجرد المسترشد يومئذ سيفه ووقف على تل فانهزم جمع دبيس وقتل خلق منهم وقتل من جيش الخليفة نحو عشرين رجلاً وعاد مؤيداً منصوراً وذهب دبيس فعات ونهب وقتل في نواحي البصرة‏.‏وفيها توفي ابن الخياط الشاعر المشهور‏:‏ أبو عبدالله أحمد بن محمد التغلبي الدمشقي الكاتب كتب أولاً لبعض الأمراء ثم مدح الملوك والكبار وبلغ في النظم الذروة العليا أخذ عن أبي فتيان بن الجيوش وعنه أخذ ابن القيرواني قال السلفي‏:‏ كان شاعر الشام في زمانه‏.‏

وفيها توفي الحافظ الكبير أبو نعيم عبدالله بن أبي علي الحداد مؤلف أطراف الصحيحين كان عجباً في الإحسان إلى الراحلة وإفادتهم مع الزهد والعبادة والفضيلة التامة‏.‏

وفيها توفي أبو الغنائم بن المهتدي بالله‏:‏ محمد بن محمد الهاشمي الخطيب‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو الحسن محمد بن مرزوق البغدادي رحمه الله

وفيها توفي أبو صادق مرشد بن يحيى سنة ثمان عشرة وخمس مائة فيها كسر ابن بهرام - صاحب حلب - الفرنج ثم نازل منبج فجاءه سهم فقتله فحمله ابن عمه - صاحب ماردين - إلى ظاهر حلب وتسلم حلب وأقام بها نائباً ورد إلى ماردين فراحت حلب‏.‏

وفيها أخذت الفرنج صور بالأمان وبقيت في أيديهم إلى سنة تسعين وست مائة‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد الدينوري البغدادي المولد الشاعر المعروف بابن الخازن كان فاضلاً فائق الخط أوحد وقته اهتم ولده نصر الله الكاتب المشهور بجمع شعره فجمع منه وهو حسن السبك منه قوله‏:‏ - وقد أضافة الحكيم أبو القاسم الأهوازي يوماً وزاد في خدمته وإكرامه وكان في داره بستان وحمام فأدخله فيهما‏:‏ وافيت منزله فلم أر حاجباً إلا تلقاني بسن ضاحك والبشر في وجه الغلام إمارة لمقدمات ضياء وجه المالك ودخلت جنته وزرت حميمه فشكرت رضواناً ورأفة مالك قال ابن خلكان‏:‏ ثم إني وجدت هذه الأبيات للحكيم أبي القاسم هبة الله بن الحسين الأهوازي الطبيب الأصفهاني ذكره العماد في الخريدة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن الصباح صاحب الألموت وزعيم الإسماعيلي وكان ذاهيبة ماكراً زندقياً من شاطين الإنس‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح سلطان بن ابراهيم المقدسي الشافعي الفقيه قال السلفي‏:‏ كان من أفقه الفقهاء بمصر تفقه عليه أكثرهم وقال غيره‏:‏ أخذ عن أبي نصر المقدسي وسمع من أبي بكر الخطيب وسمع من جماعة‏.‏وفيها توفي أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب القرماطي الحافظ كان حافظاً للحديث وطرقه وعالمه عارفاً برجاله ذاكراً لمتونه ومعانيه‏.‏

ذكر بعضهم أنه كرر صحيح البخاري سبعمائة مرة كان أديباً شاعراً لغوياً ديناً‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري كان أديباً فاضلاً عارفاً باللغة واختص بصحبة الإمام أبي الحسن الواحدي صاحب التفسير ثم قرأ على غيره وأتقن في العربية خصوص اللغة وأمثال العرب وله فيها التصانيف المفيدة منها‏:‏ كتاب الأمثال المنسوب إليه ولم يعمل مثله في بابه وكتاب‏:‏ السامي في الأسامي وهو جيد في بابه وكان قد سمع الحديث ورواه وكان ينشد كثيراً‏:‏ تنفس صبح الشيب في ليل عارضي فقلت‏:‏ عساه يكتفي بعذاري فلما فشا عاتبته فأجابني أيا هل ترى صبحاً بغير نهار سنة تسع عشرة وخمس مائة فيها سار الخليفة لمحاربة دبيس فانخذل دبيس وذل وطلب العفو وكان معه طغرل بك ابن السلطان محمد فمرض ثم سارا إلى خراسان واستجارا لسنجر فأجارهما ثم قبض على دبيس خدمة للخليفة‏.‏وفيها توفي أبو عبدالله بن البطائحي المأمون وزير الديار المصرية للآم وكان أبوه جاسوساً للمصريين فمات‏.‏

روى محمد هذا يتيماً رآه شاباً ظريفاً فأعجبه فاستخدمه مع الفراشين ثم تقدم عنده ثم آل أمره إلى أن ولي بعده وفيها توفي أبو البركات بن البخاري البغدادي المعدل هبة الله بن محمد‏.‏

 سنة عشرين وخمس مائة

يوم الأضحى منها خطب المسترشد بالله وصعد المنبر ووقف ابنه ولي العهد - الراشد بالله - دونه بيده سيف مشهور وكان المكبرون خطباء الجوامع ونزل فنحر بيده بدن وكان يوماً مشهوداً ما عهد للإسلام مثله منذ دهر‏.‏

وفيها توفي الإمام الرباني ذو الأسرار والمعرف والمواهب واللطائف‏:‏ أبو الفتوح أحمد بن محمد الطوسي الغزالي الواعظ - أخو الإمام حجة الإسلام أبي حامد‏.‏

شيخ مشهور فصيح مفوة صاحب قبول تام لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه وعظ مرة عند السلطان محمود فأعطاه ألف دينار وكان مليح الوعظ حسن المنظر صاحب كرامات وإشارات وكان من الفقهاء غير أنه مال إلى الوعظ والتصوف فغلب عليه ودرس بالنظامية نيابة عن أخيه أبي حامد لما ترك التدريس زهادة فيه اختصر كتاب أخيه المسمى بإحياء علوم الدين في مجلد واحد وسماه‏:‏ لباب الأحياء وله كتاب آخر سماه‏:‏ الذخيرة في علم البصيرة وطاف البلاد وخدم الصوفية بنفسه وخدموه وصحبهم وصحبوه وكان مائلاً إلى الانقطاع والعزلة‏.‏وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد فقال‏:‏ كان قد قرأ القارىء بحضرته‏:‏ ‏"‏ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ‏"‏ - الزمر - فقال‏:‏ شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله يا عبادي ثم أنشد‏:‏ وهان علي اللوم في جنب حبها وقول الأعادي إنه لخليع أصم إذا نوديت باسمي وإنني إذا قيل لي‏:‏ يا عبدها لسميع وهذا مثل قول بعضهم‏:‏ لا تدعني إلا بيا عبدي فإنه أشرف أسمائي وتوفي بقزوين - رحمه الله تعالى‏.‏

قلت هكذا أثنى عليه الحافظ ابن النجار وغيره من العلماء والأولياء ولا التفات إلى ما أومى إليه الذهبي من بعض الطعن فيه‏.‏

ومما يحكى من مكاشفاته أنه سأله إنسان عن أخيه محمد أين هو فقال‏:‏ في الدم ثم طلبه السائل فوجده في المسجد فتعجب من قول أخيه في الدم وذكر له ذلك فقال‏:‏ صدق كنت أفكر في مسألة من مسائل المستحاضة - رحمة الله تعالى عليهما‏.‏

وفيها توفي أبو بحر الأسدي‏.‏

سفيان بن العاصي محدث قرطبة‏.‏

وصاعد بن سيار أبو العلاء الهروي الدهان قال السمعاني‏:‏ كان حافظاً متقناً كتب الكتب الكثيرة وجمع الأبواب وعرف الرجال‏.‏

وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها‏.‏

روى عن أبي علي الغساني وأبي مروان بن مروان وخلق وكان من أوعية العلم له تصانيف مشهورة عاش سبعين سنة‏.‏

وفيها توفي أبو عبدالله محمد بن بركات السعيدي المصري النحوي اللغوي روى عن القضاعي وغيره وسمع البخاري من كريمة بمكة‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح أحمد بن علي المعروف بابن برهان الفقيه الشافعي كان متبحراً في الأصول والفروع والمتفق والمختلف وتفقه على أبي حامد الغزالي وأبي بكر الشاشي وأبي الحسن المعروف بالكيا وصار ماهراً في فنونه وصنف كتاب الوجيز في أصول الفقه وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد دون الشهر وبرهان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو بكر بن الوليد القريشي الفهري الأندلسي الفقيه المالكي الطرطوشي‏.‏

بضم الطائين المهملتين بينهما راء ساكنة وبعدهما واو ساكنة ثم شين معجمة منسوباً إلى طرطوشة‏:‏ مدينة في آخر بلاد المسلمين بالأندلس‏.‏

صحب أبا الوليد الباجي وأخد عنه مسائل الخلاف وسمع منه وأجاز له وقرأ الفرائض والحساب وقرأ الأدب على أبي محمد بن حزم ورحل إلى المشرق سنة ست وسبعين وأربعمائة‏.‏

وحج ودخل بغداد والبصرة وتفقه على أبي بكر محمد الشاشي المعروف بالمستظهري الفقيه الشافعي وعلى أبي العباس أحمد الجرجاني وسكن الشام ودرس بها وكان إماماً عالماً عاملاً زاهداً ورعاً ديناً متواضعاً متقشفاً متقللاً من الدنيا راضياً منها باليسير على ما ذكره بعض المؤرخين‏.‏

وكان يقول‏:‏ إذا عرض لك أمران‏:‏ أمر دنيا وأمر أخرى فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى وكان كثيراً ما ينشد‏:‏ إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا فكروافيها فلماعلموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا قلت‏:‏ هكذا قال بعضهم‏:‏ فكروا فيها وقال بعضهم‏:‏ نظروا فيها والكل معناه واحد فإن المراد‏:‏ ينظروا نظرة القلب وله من التصانيف‏:‏ سراج الملوك وغيره وله طريقة في الخلاف ونسب إليه أشعار من ذلك‏:‏ إذا كنت في حاجة مرسلاً وأنت بإنجازها معزم فأرسل بأكمه خلانه به صمم أعطش أبكم ودع عنك كل رسول سوى رسول يقال له الدرهم وحكي أنه اجتمع بالإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في بلاد الشام وقصد مناظرته فقال له أبو حامد‏:‏ هذا شيء تركناه بصبية بالعراق يعني‏:‏ ترك المغالبة بالعلم والمفاخرة فيه لصبية - جميع صبي - كأنه شبه من يطلب هذا بالصبيان لغلبة الهوى عليهم نسأل الله التوفيق لصالح الأعمال وحسن الخاتمة عند منتهى الآجال‏.‏

 سنة إحدى وعشرين وخمس مائة

فيها أقبل السلطان محمود بن محمد ابن ملك شاه في جيشه محارباً للمسترشد بالله فتحول أهل بغداد كلهم إلى الجانب الغربي ونزل محمود والعسكر بالجانب الشرقي وتراموا بالنشاب وترددت الرسل في الصلح فلم يفعل الخليفة فنهبت دار الخلافة فغضب الخليفة وخرج من المخيم‏.‏

والوزير ابن صدقة بين يديه - فقدموا السفن في دفعة واحدة وعبر عسكر الخليفة وألبسوا الملاحين السلاح وسبح العيارون وصاح المسترشد‏:‏ يا لبني هاشم فتحركت النفوس معه هذا وعسكر السلطان مشغولون بالنهب فلما رأوا الجد ولوا الأدبار وعمل فيهم السيف وأسر منهم خلق وقتل جماعة أمراء ودخل الخليفة إلى داره وكان معه يومئذ قريب من ثلاثين ألف مقاتل ثم وقع الصلح‏.‏

وفيها ورد الخبر بأن سنجر صاحب خراسان قتل من الباطنية اثني عثر ألفاً ومرض السلطان محمود وتعلل بعد الصلح فرحل إلى همدان وولي بغداد الأمير عماد الدين زنكي ثم صرف بعد أشهر وفوض إليه الموصل وسار إليها لموت متوليها‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي شريف صالح خير‏.‏

روى عن الخطيب وغيره وعاش ثمانين سنة‏.‏

ختم التراويح ليلة سبع وعشرين ورجع إلى منزله فسقط من السطح فمات رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن بن الدينوري علي بن عبد الواحد روى عن القزويني وأبي محمد الخلال وهو أقدم شيخ لابن الجوزي وأبو العز القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي مقرىء العراق وصاحب التصانيف في القراءات‏.‏

وفيهما توفي عبد الله بن محمد المعروف بابن السيد البطليوسي النحوي كان عالماً بالآداب واللغات متبحراً فيهما ومقدماً في معرفتهما وإتقانهما وكان الناس يجتمعون إليه ويقرؤون عليه ويقتبسون منه وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطاً ألف كتباً نافعة منها كتاب المثلث فى مجلدين أتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم فإن مثلث قطرب في كراسة واحدة قالوا‏:‏ ومع هذا استعمل فيه الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعض ذلك وله كتاب‏:‏ الاقتضاب في شرح أدب الكتا وشرح سقط الزند لأبي العلاء المعري شرحاً استوفى فيه المقاصد وهو أجود من شرح أبي العلاء وله كتاب الخلل في شرح أبيات الجمل والخلل في أغاليط الجمل أيضا وكتاب شرح الموطأ قيل وشرح ديوان المتنبي وكتباً أخرى وله أخو العلم حي خالد بعد موته وأوصاله تحت التراب رميم وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى يظن من الأحياء وهو عديم

 سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة

في أولها تملك حلب عماد الدين زنكي‏.‏

وفيها سار السلطان محمود إلى خدمة عمه سنجر فانطلق له دبيس بن صدقة وقال‏:‏ اعزل زنكي عن الموصل والشام وأولي دبيساً واسأل الخليفة أن يصفح عنه فأخذه ورجع‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو محمد عبدالله بن أحمد الأشبيلي كان حافظاً للحديث وعلله عارفاً برجاله وبالجرح والتعديل ثقة كتب الكثير واختص بأبي علي الغساني وله تصانيف في الرجال‏.‏

وابن صدقة الوزير أبو علي الحسن وزير المسترشد كان ذا حزم وعقل ودهاء ورأي وأدب وفضل‏.‏

 سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة

فيها أصلح زنكي نفسه بأن يحمل للسلطان في السنة مائة ألف دينار وخيلاً وثياباً وافرة‏.‏

وفي رمضان منها هجم دبيس على نواحي بغداد وعلى الحلة وبعث الى المسترشد يقول‏:‏ إن رضيت عني رددت أضعاف ما ذهب به من الأموال فقصده عسكر محمود فدخل البرية بعد أن أخذ من العراق نحو خمس مائة ألف دينار‏.‏

وفيها أخد زنكي حماة ثم نازل حمص وأسر صاحبها وأخذه معه لما لم يقدرعلى أخذها ورد إلى الموصل‏.‏

وفيها قتل بدمشق نحو ستة آلاف ممن كان يرمى بعقيدة الإسماعيلي وكان قد دخل الشام بهرام الأستراباذي وأضل خلقاً كثيراً وأقام داعياً بدمشق فكثر أتباعه وملك عدة حصون بالشام ثم راسل الفرنج ليسلم إليهم دمشق - فيما قيل - ويعوضوه بصور وقرر الباطنية بدمشق أن يغلقوا أبواب الجامع - والناس في الصلاة - ووعد الفرنج أن يهجموا البلد حينئذ فقتله بوري بن طغتكين - بالطاء المهملة والغين المعجمة والكاف بين المثناة من فوق ومن تحت ثم النون - وعلق رأسه على القلعة ووضع السيف في الباطنية الإسماعيلية بدمشق في نصف رمضان يوم الجمعة وسلم بهرام بانياس للفرنج وجاءت الفرنج فنازلت دمشق ثم تناجى عسكر دمشق والعرب والتركمان فبيتوا للفرنج فقتلوا وأسروا‏.‏وفيها توفي أبو الحسن عبدالله بن محمد ابن الإمام أبي بكر البيهقي‏.‏

سمع الكتب من جده ومن الصابوني وجماعة‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي الأصفهاني الرئيس‏.‏

وفيها توفي الفقيه العلامة أحد الأئمة الكبار يوسف بن عبد العزيز نزيل الإسكندرية أحكم الأصول والفروع وروى الصحيحين وله التعليقة الكبرى في الخلاف‏.‏

فيها التقى زنكي الفرنج بناحية حلب وثبت الجمعان ثم ولت الفرنج فوضع السيف فيهم وافتتح زنكي حصن الأثارب فنازل حصن كادم‏.‏وفيها أخذ السلطان محمود قلعة الألموت‏.‏

وفيها ظهرت ببغداد عقارب طيارة قتلت جماعة أطفال‏.‏

وفيها توفي أبو إسحاق ابراهيم بن يحيى الكلبي الغزي المشهور شاعر محسن ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق وسمع من الشيخ نصر المقدسي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة رحل إلى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية عدة سنين ومدح ورثى غيرواحد من المدرسين بها وغيرهم ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها وانتشر شعره هناك وذكر له عدة مقاطع من الشعر وأثنى عليه‏.‏انتهى كلام الحافظ‏.‏قال ابن خلكان‏:‏ وله ديوان شعر اختاره بنفسه وذكر في خطبته أنه ألف بيت وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وقال‏:‏ إنه جاب البلاد وتغرب وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان ومدح وزير كرمان مكرم بن العلاء في قصيدته البائية التي أبدع فيها‏.‏

منها قوله‏:‏ حملنا من الأيام ما لا نطيقه كما حمل العظم الكثير العصائبا ومنها في قصر الليل‏.‏

وهي معنى لطيف‏:‏ وليل رجونا أن يدب عذاره فما اختط حتى صار بالفجر شائبا قالوا هجرت السفر قلت‏:‏ ضرورة وباب الدواعي والبواعث مغلق خلت الديار فلا كريم يرتجى منه النوال ولا مليح بعشق ومما يستملحه الأدباء ويستظرفونه قوله‏:‏ إشارة منك كفينا وأحسنها رد السلام غداة البين بالعنم أم ترانا وقد ضمت يد ليد عند العناق وقد لاقى فم لفم حتى إذا طرح عنها المرط من دهش فانحل بالضم سلك العقد في النظم تبسمت فأضاءالليل فالتقطت حباب منتشرفي ضوء منتظم قيل‏:‏ والبيت الأخير منها ينظر إلى قول الشريف الرضي من جملة قصيدته‏:‏ وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي مواقع اللثم في داج من الظلم وولد الغزي المذكور بغزة وبها قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم - وتوفي بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ودفن ببلخ‏.‏

وأما كون هاشم قبره بغزة فذكر عبد الملك بن هشام أن أول من سن الرحلتين لقريش‏:‏ رحلة الشتاء والصيف‏:‏ هاشم بن عبد مناف جد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم هلك هاشم بغزة من أرض الشام تاجراً فقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكيه‏:‏ وهاشم في ضريح وسط بلقعة تسقى الرياح عليه بين غزات قال أهل العلم باللغة‏:‏ إنما قال غزات‏:‏ وهي غزة واحدة كأنه سمى كل ناحية منها باسم البلدة وجمعها على غزات فصارت من ذلك الوقت تعرف بغزة هاشم لأن قبره بها لكنه غير طاهر لا يعرف وإلى ذلك أشار أبو نواس الشاعر المشهور لما توجه إلى مصر ليمدح ابن عبد الحميد صاحب ديوان الخراج ذكر المنازل في طريقه فقال‏:‏ طوالب بالركبان غزة هاشم وبالفرما من حاجهن شقور والفرما بفتح الفاء والراء المدينة العظمى التي كانت كرسي الديار المصرية في زمن ابراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - ومن بعض قراها‏:‏ هاجر أم اسماعيل - صلى الله عليه وسلم - من قرية تسمى أم العرب ومن الاتفاق الغريب أن اسماعيل أبو العرب وأمه من أم العرب والشقور بضم الشين المعجمة والقاف‏:‏ بمعنى الأمور المهمة اللاصقة بالقلب‏.‏

وفيها توفي الاخشيد اسماعيل بن الفضل الأصبهاني‏.‏

وابن الغزال أبو محمد عبدالله بن محمد المصري المجاور شيخ صالح مقرىء‏.‏

وفيها توفيت أم ابراهيم فاطمة بنت عبدالله بن أحمد الأصبهانية - رحمها الله -‏.‏

وفيها توفي الفقيه الحافظ الظاهري نزيل بغداد أبو عامر العبدري محمد بن سعدون‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ كان فقيهاً على مذهب داود وكان أحفظ شيخ لقيته قال القاضي أبو بكر ابن العربي‏:‏ هو أثبت من لقيته وقال ابن ناصر‏:‏ كان فهماً عالماً متعففاً مع فقر وقال السلفي‏:‏ كان من أعيان علماء الإسلام متصرفاً في فنون كثيرة وقال ابن عساكر‏:‏ بلغني أنه قال‏:‏ أهل البدع يحتجون بقوله تعالى ‏"‏ ليس كمثله شيء ‏"‏ - الشورى - أي في الإلهية لا في الصورة لم يحتج بقوله تعالى ‏"‏ لستن كأحد من النساء أن اتقيتن ‏"‏ - الأحزاب - أي في الحرمة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبدالله بن تومرت - بضم المثناة من فوق وفتح الميم وسكون الراء والمثناة في آخره المصمودي البربري الهرغي بفتح الهاء وسكون الراء بعدها غين معجمة نسبة إلى هرغة‏:‏ وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب ينتسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما - الملقب بالمهدي رحل إلى المشرق ولقي الإمام أبا حامد الغزالي وطائفة وحصل فنوناً من العلم والأصول والكلام والحديث وحج وأقام بمكة مدة مديدة وكان رجلاً ورعاً ساكناً ناسكاً زاهداً متقشفاً شجاعاً جلداً عاقلاً عميق الفكر بعيد الغور فصيحاً مهيباً لذاته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد صاحب دعوة عبد المؤمن بن علي بالمغرب نشأ هناك ثم رحل إلى المشرق في شيعته طالباً للعلم فانتهى إلى العراق وكان كثيراً ظرافاً بساماً في وجوه الناس مقبلاً على العبادة لا يصحبه من متاع الدنيا إلا عصا وركو وكان متحملاً للأذى من الناس وناله بمكة شيء من المكروه فخرج منها إلى مصر وبالغ في الإنكار فزادوا في أذاه وطردته الدولة - وكان إذا خاف من البطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه فينسب إلى الجنون - فخرج من مصر إلى الاسكندرية وركب البحر متوجهاً إلى بلاده وكان قد رأى في منامه وهو في بلاد الشرق كأنه شرب ماء البحر جميعه كرتين فلما ركب في السفينة شرع في تغيير المنكر جميعه على أهل السفينة وألزمهم إقامة الصلاة وقراءة الأحزاب من القرآن ولم يزل على ذلك حتى انتهى إلى المهدية - إحدى مدن إفريقية - وكان ملكها يومئذ الأمير يحيى بن تميم بن المعز الصبهاجي وذلك في سنة خمس وخمس مائة على ما ذكر في تاريخ القيروان‏.‏

وذكر غيره أنه اجتاز في رجوعه من العراق بإفريقية أيام ولاية الأمير تميم والد يحيى المذكور والله أعلم بالصواب‏.‏

ولما وصل إلى المهدية نزل في مسجد مغلق وهو على الطريق وجلس في طاق شارع إلى المحجة ينظر إلى المارة فلا يرى منكراً من عادة الملاهي أو أواني الخمور إلا نزل إليها وكسرها وتسامع الناس به في البلاد فجأووا إليه وقرؤوا عليه كتباً من أصول الدين وبلغ خبره الأمير فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء‏.‏

فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه وأجله وسأله الدعاء فقال له‏:‏ أصلحك الله تعالى لرعيتك ولم يقم بعد ذلك في المهدية إلا أياماً يسيرة ثم انتقل إلى بجاي وأقام بها مدة وهو على حاله في الإنكار فأخرج منها إلى بعض قراها واسمها ملال فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي‏.‏

وذكروا في بعض تواريخ المغرب عن سيرة ملوكه أن محمد بن تومرت كان قد اطلع من علوم أهل البيت على كتاب يسمى الجف‏:‏ بفتح الجيم وسكون الفاء وفي آخره راء - وسيأتي إيضاح الجفر المذكور إن شاء الله تعالى في سنة ثمان وخمسين - وانه رأى فيه صفة رجل يظهر بالمغرب الأقصى بمكان يسمى السوس من ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الله عز وجل يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب يسمى بترمذ - وسيأتي ضبط حروفه بعد إن شاء الله تعالى - ورأى فيه أيضاً أن استقامة ذلك الأمر واستيلاءه وتمكنه يكون على يد رجل من أصحابه هجاء اسمه ع ب د م و م ن وتجاوز وقته المائة الخامسة للهجرة فأوقع الله في نفسه أنه القائم بأول الأمر وأن أوانه قد أزف فما كان يمر بموضع إلا سأل عنه ولا يرى أحداً إلا أخذ اسمه وتفقد حليته - وكانت حلية عبد المؤمن معه - فبينا هو في الطريق إذ رأى شاباً قد بلغ أشده على الصفة التي منه فقال له وقد تجاوزه‏:‏ ما اسمك يا شاب فقال‏:‏ عبد المؤمن فرجع إليه وقال‏:‏ الله أكبر أنت بغيتي فنظر في حليته فوافقت ما عنده فقال له‏:‏ ممن أنت فقال‏:‏ من كومية - بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وفتح المثناة من تحت - قبيلة فقال‏:‏ أين مقصدك فقال‏:‏ الشرق فقال‏:‏ ما تبغي من الشرق قال‏:‏ أطلب علماً قال‏:‏ فقد وجدت علماً وشرفاً وذكراً اصحبني تنله فوافقه على ذلك فألقى محمد إليه أمره وأودعه سره‏.‏

وكان محمد قد صحب رجلاً يسمى عبد الله الونشريشي بالنون بعد الواو ثم الشين المعجمة مكررة قبل الراء والمثناة من تحت وبعدهما - ففاوضه فيما عزم عليه من القيام فوافقه على ذلك أتم الموافقة‏.‏

وكان الونشريشي ممن تهذب وقرأ فقهاً وكان جميلاً فصيحاً في لغة العرب وأهل المغوب فتحدثاً يوماً في كيفية الوصول إلى الأمر المطلوب فقال محمد لعبد الله‏:‏ أترى أن تستر ما أنت عليه من العلم والفصاحة عن الناس وتظهر من العجز واللكن والحصر والتعري عن الفضائل ما تشتهر به عند الناس ليتخذ الخروج واكتساب العلم دفعة واحدة ليقوم لك ذلك مقام المعجزة عند حاجتنا إليه فتصدق فيما تقوله‏.‏

ففعل عبد الله ذلك‏.‏

ثم ان محمداً استدعى أشخاصاً من أهل المغرب أجلاداً في القوى الجسمانية أغماراً وكان أميل إلى الأغمار من أولي الفطن والاستبصار فاجتمع له منهم ستة سوى الونشريشي ثم إنه رحل إلى أقصى المغرب واجتمع بعبد المؤمن بعد ذلك وتوجهوا جميعاً إلى مراكش - وسلطانها يومئذ علي بن يوسف بن سفيان وكان ملكاً عظيماً حليماً ورعاً عادلاً متواضعاً وكان بحضرته رجل يقال له ملك بن وهيب الأندلسي - وكان عالماً صالحاً وشرع محمد في الإنكار على جاري عادته حتى أنكر على ابنه الملك - وله في ذلك قصة يطول شرحها فبلغ خبره الملك وأنه يحدث في تغير الدولة فتحدث ملك بن وهيب في أمره وقال‏:‏ تخاف من فتح باب يعسر علينا سده والرأي أن تحضر هذا الشخص وأصحابه ليسمع كلامهم بحضور جماعة من علماء البلد أجاب الملك إلى ذلك - وكان محمد وأصحابه مقيمين في مسجد خراب خارج البلد - وطلبوهم فلما ضمهم المجلس قال الملك لعلماء بلده‏:‏ سلوا هذا الرجل ما يبغي منا فانتدب له قاضي المرورية واسمه محمد بن اسود - فقال‏:‏ ما هذا الذي يذكر عنك من الأقوال في حق الملك العادل الحليم المنقاد إلى الحق المؤثر طاعة الله - عز وجل - على هواه فقال محمد‏:‏ أما ما نقل عني فقد قلته ولي من ورائه أقوال وأما قولك إنه يؤثر طاعة الله عز وجل على هواه وينقاد إلى الحق فقد ظهر صحة اعتبار هذا القول عنه لتعلم بتعريته عن هذه الصفة أنه مغرور بما يقولون له وتطرونه به مع علمكم أن الحجة عليه متوجهة - فهل بلغك يا قاضي أن الخمر تباع جهاراً وأن الخنازير تمشي بين المسلمين وتؤخذ أموال اليتامى - وعد من ذلك شيئاً كثيراً‏.‏فلما سمع الملك كلامه ذزفت عيناه وأطرق حياء ففهم الحاضرون من فحوى كلامه أنه طامع في المملكة لنفسه‏.‏

ولما رأوا سكوت الملك وانخداعه لم يتكلم أحد منهم فقال ملك بن وهيب - وكان كثير الاجتراء على الملك‏:‏ - أيها الملك إن عندي لنصيحة إن قبلتها حمدت عاقبتها وإن تركتها لم تأمن غائلتها فقال الملك‏:‏ ما هي قال‏:‏ إني خائف عليك من هذا الرجل وأرى أنك تعتقله وأصحابه وتنفق عليهم كل يوم ديناراً لتكفي شره وإن لم تفعل ذلك لينفق عليك خزائنك كلها ثم لا ينفعك ذلك‏.‏

فوافقه الملك فقال وزيره‏:‏ يقبح بك أن تبكي من موعظة هذا الرجل ثم تسيء إليه في مجلس واحد وأن يظهر منك الخوف منه - مع عظم ملكك - وهو رجل فقير لا يملك سد جوعه‏!‏‏!‏ فلما سمع الملك كلامه أخذته عزة النفس واستهون أمره وصرفه وسأله الدعاء‏.‏

وحكى صاحب كتاب المغرب أنه لما خرج من عند الملك لم يزل وجهه تلقاء وجهه إلى أن فارقه فقيل له‏:‏ نراك تأدبت مع الملك‏!‏ فقال‏:‏ أردت أن لا يفارق وجهي الباطل ما استطعت حتى أغيره‏.‏فلما خرج محمد وأصحابه من عند الملك قال لهم‏:‏ لا مقام لنا مع وجود ملك بن وهيب فما نأمن أن يغادر الملك في أمرنا فينا لنا منه مكروه وإن لنا بمدينة أغمات أخاً في الله فنقصد المرور به فلم نعدم منه رأياً وإيماء صالحاً واسم هذا الشخص عبد الحق بن ابراهيم من فقهاء المصامدة - فخرجوا إليه ونزلوا عليه وأخبره محمد خبرهم وأطلعه على مقصدهم وما جرى لهم عند الملك فقال عبد الحق‏:‏ هذا الموضع لا يحميكم وإن أحصن هذه المواضع المجاورة لهذا البلد تينمل بكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت وبعدها نون ثم ميم مفتوحة ولام مشددة - في المكان الفلاني وبيننا وبين ذلك مسافة يوم في هذا الجبل فانقطعوا فيه برهة ريثما ينسى ذكركم‏.‏

فلما سمع محمد بهذا الاسم تجدد له ذكر اسم الموضع الذي رآه في كتاب الجفر فقصده مع أصحابه فلما أتوه رآهم أهله على تلك الصورة فعلموا أنهم طلاب العلم فقاموا إليهم وأكرموهم وتلقوهم بالترحاب وأكرموهم في أكرم منازلهم‏.‏

وسأل الملك عنهم بعد خروجهم من مجلسه فقيل له‏:‏ إنهم سافروا فسره ذلك وقال‏:‏ تخلصنا من الإثم بحسبهم‏.‏

ثم إن أهل الجبل تسامعوا بوصول محمد إليهم - وكان قد سار فيهم ذكره فجاؤوه - من كل فج عميق وتبركوا بزيارته وكان كل من أتاه استدناه وعرض عليه ما في نفسه من الخروج على الملك فإن أجابه أضافه إلى خواصه وإن خالقه أعرض عنه وكان يستميل الأحداث وذوي الغباوة وكان ذو الحلم والعقل من أهاليهم يهنونهم ويحذرونهم من إتباعه ويخوفونهم من سطوة الملك فكان لا يتم له مع ذلك حال‏.‏

وطالت المدة وخاف محمد من مفاجأة الأجل قبل بلوغ الأمل وخشي أن يطرأ على أهل الجبل من جهة الملك ما يحوجهم إلى تسليمه إليهم والتخلي عنه فشرع في إعمال الحيلة فيما يشاركونه فيه ليبغضوا على الملك بسببه فرأى بعض أولاد القوم شقراً زرقاً وألوان آبائهم السمرة والكحل فسألهم عن سبب ذلك فلم يجيبوه فألزمهم الإجابة فقالوا‏:‏ نحن من رعية هذا الملك وله علينا خرإج في كل سنة يصعد مماليكه إلينا وينزلون في بيوتنا ويخرجوننا عنها ويستحلون من فيها من النسوان فيأتي الأولاد على هذه الصفة وما لنا قدرة على دفع ذلك عنا‏.‏

قال محمد‏:‏ والله إن الموت خير من هذه الحياة وكيف رضيتم بهذا - وأنتم أضرب خلق الله بالسيف وأطعنهم بالحربة‏!‏ - فقالوا‏:‏ بالرغم لا بالرضى‏.‏فقال‏:‏ أرأيتم لو أن ناصراً نصركم على أعدائكم ما كنتم تصنعون قالوا كنا نقدم أنفسنا بين يديه بالموت قالوا‏:‏ ومن هو قال‏:‏ ضيفكم‏.‏

يعني‏:‏ نفسه فقالوا‏:‏ السمع والطاعة‏.‏

وكانوا يغالون في تعظيمه فأخذ عليهم العهود والمواثيق واطمأن قلبه‏.‏

ثم قال لهم‏:‏ استعدوا لحضور هؤلاء بالسلاح فإذا جاءكم فأجروهم على عوائدهم وخلوا بينهم وبين النساء وميلوا عليهم بالخمور فإذا سكروا فاذنوني بهم‏.‏

فلما حضر المماليك وفعل معهم أهل الجبل ما أشار به - وكان ليلاً - أعلموه بذلك فأمر بقتلهم بأسرهم فلم يمض من الليل سوى ساعة حتى أتوا على آخرهم ولم يفلت منهم سوى مملوك واحد كان خارج المنازل لحاجة وسمع النكبة عليهم والوقع بهم فهرب من غير الطريق حتى خلص من الجبل ولحق بمراكش وأخبر الملك بما جرى فندم الملك على فوات محمد من يده وعلم أن الحزم كان مع ملك بن وهيب بما أشار به فجهز من وقته خيلاً بمقدار ما يسع ذلك الوادي فإنه ضيق المسلك وعلم محمد أنه لا بد من عسكر يخرج إليهم فأمر أهل الجبل بالقعود على أبواب الوادي وراصده واستنجد لهم بعض المجاورين فلما وصلت الخيل إليهم أقبلت عليهم الحجارة من جانب الوادي مثل المطر - وكان ذلك من أول النهار إلى آخره - وحال بينهم الليل ورجع العسكر إلى الملك فأخبروه بما نزل بهم فعلم أنه لا طاقة له بأهل الجبل لتحصنهم فأعرض عنهم وتحقق محمد ذلك منه وصفا له مودة أهل الجبل فعند ذلك استدعى الونشريشي المذكور وقال له‏:‏ هذا أوان إظهار فضائلك دفعة واحدة لتقوم المعجزة لتستميل بك قلوب من لا يدخل في الطاعة‏.‏ثم اتفقا على أنه يصلي الصبح ويقول بلسان فصيح بعد استعمال العجمة واللكنة في تلك المدة‏:‏ - إني رأيت البارحة في منامي‏:‏ وقد نزل ملكان من السماء وشقا فؤادي وغلاه وحشياه علماً وحكمة وقرآناً فلما أصبح قال ذلك - وهو فصل يطول شرحه - فاتفق أنه انقاد له كل صعب القياد وعجبوا من حاله وحفظه القرآن في النوم فقال له محمد‏:‏ فعجل لنا بالبشرى في أنفسنا وعرفنا‏:‏ أسعداء نحن أم أشقياء فقال له‏:‏ أما أنت فإنك المهدي القائم بأمر الله ومن معك سعد ومن خالفك هلك ثم قال‏:‏ أعرض أصحابك علي حتى أميز أهل الجنة من أهل النار وعمل في ذلك حيلة قتل بها من خالف أمر محمد وأبقى من أطاعه - وشرح ذلك يطول - وكان غرضه أن لا يبقى في الجبل مخالف لمحمد‏.‏فلما قتل من قتل علم محمد أن في الباقين من له أهل وأقارب قتلوا وأنهم لا تطيب قلوبهم بذلك فجمعهم وبشرهم بانتقال ملك مراكش إليهم واغتنامهم أموالهم فسرهم ذلك وسلاهم عن أهلهم‏.‏

وبالجملة فإن تفصيل هذه الواقعة طويل وخلاصة الأمر أن محمداً لم يزل حتى جهز جيشاً عدد رجآله عشرة آلاف - ما بين فارس وراجل - وفيهم عبد المؤمن والونشريشي وأصحابه كلهم وأقام هو بالجبل فنزل القوم لحصار مراكش وأقاموا عليها شهراً ثم كسروا كسرة شنيعة وهرب من سلم من القتل وكان فيمن سلم عبد المؤمن وقتل الونثسريشي وبلغ محمداً الخبر - وهو بالجبل - وحضرته الوفاة قبل عود أصحابه إليه فأوصى من حضر أن يبلغ ألفائبين أن النصر بهم وألفاقبة حميدة فلا يضجروا وليعتادوا القتال وأن الله سيفتح على أيديهم - والحرب سجال - وإنكم ستقومون ويضعفون وسيفتح لكم وتكثرون ويقفون وأنتم في مبدأ أمروهم في آخره - ومثل هذه الوصايا وأشباهها وهي وصية طويلة‏.‏

ثم إنه توفي رحمة الله تعالى في السنة المذكورة ودفن في الجبل وقبره هناك مشهور يزار‏.‏

وكانت ولادته يوم عاشوراء سنة خمس وثمانين وأربع مائة وأول دعأنه إلى هذا الأمر سنة أربع عشرة وخمس مائة وكان رجلاً ربعة قصيراً أسمر عظيم آلهامة حاد النظر‏.‏

قال صاحب كتاب المغرب في أخبار أهل المغرب في حقه‏:‏ آثاره تنبئك عن أخباره وحتى كأنك بألفا قدم في الثرى وهذة في الثريا ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون ماء المحيا‏.‏

وكان قوته - من غزل أخت له - رغيفاً في كل يوم بقليل سمن أو زيت ولم ينتقل عن هذا حين كثرت عليه الدنيا ورأى أصحابه يوماً - وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه - فأمر بضم جميعه فأحرقه وقال‏:‏ من كان يبتغي الدنيا فما له عندي إلا ما رأى ومن يبتغي الآخرة فجزاؤه على الله تعالى وكان على خمول زيه وبسط وجهه مهيباً منيع الحجاب إلا عند مظلمة وله رجل مخص بخدمته والإذن عليه وكان له شعر ومن ذلك‏:‏ أخذت بأعضادهم إذ نأوا وخلفك القوم اذ ودعوا فكم أنت تنهي ولا تنتهي وتسمع وعظاً ولا تسمع فيا حجر الشجر حتى متى تسد الحديد ولا تقطع وكان كثيراً ما ينشد‏:‏ تجرد من الدنيا فإنك إنما خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد ولم يفتتح شيئاً من البلاد وإنما قرر القواعد ومهدها ورتبها وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن كما سيأتي في ترجمته - أن أول ما أخذ تلمسان ثم فاس ثم سلا ثم سبتة ثم مراكش واستوثق له الأمر وامتد ملكه إلى المغرب الأقصى والأدنى وبلاد إفريقية وكثير من بلاد الأندلس‏.‏ومما ذكر بعض المؤرخين أنه ادعى الإمامة وأنه معصوم قال‏:‏ وكان على طريقة مثلى لا تنكر معه العظمة وقيل‏:‏ كان حاذقاً في ضرب إلىمل وقيل‏:‏ اتفق لعبد المؤمن أنه كان قد رأى أنه جمل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطف الصحفة منه فقال له المعبر هذه إلىؤيا‏:‏ لا ينبغي أن تكون ذلك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الأمر‏.‏

وذكر أنه بعدما انكسرت المصادمة انتصرت مرة أخرى ثم استنجد أمرهم وأخذوا في شن ألفارات في بلاد ابن تاشفين وكثر ألفاخلون في دعوتهم‏.‏

وكان ابن تومرت لم يزل على لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر‏.‏

قال‏:‏ غير أنه أفسد بالدعاء - كونه المهدي - وبسرعته في الدعاء وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فيوافق وكان طويل الصمت حسن الخشوع والسمت رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن المستعلي بالله العبيدي - صاحب مصر - كان مشتهراً بالظلم والفسق امتدت دولته ثلاثين سنة‏.‏فلما تمكن وكبر قتل وزيره الأفضل وأقام في الوزارة الشامون البطائحي ثم صادره وقتله ولما خرج إلى الجيزة في وقت كمن له قوم بالسلاح فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف ولم يكن له عقب فبايعوا بعده ابن عمه الحافظ عبد الحميد ابن الأمير محمد بن المستنصر‏.‏

وفيها توفي أبو محمد بن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الحافظ‏.‏

وفيها توفيت فاطمة الجوزدانية بالجيم وبعد الواو زاي وذال معجمة وبين الألف وياء النسبة نون أم ابراهيم بنت عبدالله الأصبهانية سمعت من ابن ريذة معجم الطبراني وعاشت تسعاً وتسعين سنة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير ألفارف بالله الخبير ذو الكرامات الكريمات والأحوال العظيمات والمقامات العلية والطريقة السنية أبو عبدالله حماد بن مسلم الدباس كان أمياً وفتح عليه بالمعارف والأسرار وصار قدوة للمشايخ الكبار وكبرت به الأصاغر وهو الشيخ الذي خضعت له رقاب الشيوخ الأكابر محيي الدين أبي محمد عبد ألفادر الجيلاني - رضي الله تعالى عنهم ونفعنا بهم آمين - ولكل واحد من الكرامات ما لا يسعه إلا مجلمات وقد ذكرت شيئاً من ذلك في غير هذا الكتاب يدهش من سمعه من ذوي القلوب والألفاب وكانت وفاة الشيخ المذكور ذي المناقب المشهورة في شهر رمضان من السنة المذكورة‏.‏

وفيها توفي عن ثمان وثمانين سنة الولي الكبير الشهير الإمام النجيب النبيه المعروف بالشيخ محمد بن عبدويه‏:‏ المشهور بالفضل والورع والاحسان المدفون في بلاد اليمن في جزيرة كمران - بفتح الحروف الثلاثة - تفقه على الشيخ الإمام أبي إسحاق الشيرازي في بغداد بكتابه المهذب ومسائل الخلاف وبكتبه في الأصول والجدل ودخل اليمن بكتاب المهذب وهو أول من دخل به اليمن - على ما بلغني - وسكن عدن مدة ثم انتقل إلى زبيد - وملوكها الحبشة يومئذ - فدخلها مفضل بن أبي البركات بعسكر من العرب وكان للشيخ المذكور مال يتجر به فانتهب مع جملة ما نهب من زبيد قال الامام المعروف بابن سمرة في تاريخه‏:‏ وأظن ذلك وقع في الوقعة الأولى سنة تسمع وتسعين وأربعمائة‏.‏

ثم خرج ابن عبدويه المذكور فسكن في جزيرة كمران قلت وبها توفي وأنا ممن زار قبره هنالك‏.‏

قال ابن سمرة‏:‏ وكانت أهل التوحيد وأهل الجلالات - يأتون للسلام عليه ويقبلون رأسه - وهو قاعد - وكان كثير الزهد والورع متحرياً في المطعم لا يأكل إلا الأرز من بلاد آلهند وكان عبيده يسافرون إلى الحبشة وآلهند ومكة وعدن للتجارة فأخلف الله تعالى عليه أموالاً فكان ينفق على طلبة العلم منها وكان ظاهر التقوى مؤألفا للمسلمين من كل أفق‏.‏

وله تصنيف في أصول الفقه سماه الإرشاد وكان له ولد عالم بعلم الكلام والأصول مع تنوير في الفقه يسمى عبدالله تفقه بأبيه ومات قبله في سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة ودفن في الجزيرة المذكورة ودفن والده لما توفى إلى جنبه وقبرهما هنالك بجنب المسجد يزاران يزورهم الصالحون وغيرهم ويتبرك بترابهما‏.‏

قال ابن سمرة‏:‏ وله ذرية فقراء في هذه الجزيرة إلى اليوم وهم ذوو مروءة ودين وذكر أنه حج من عدن في البحر مع الشيخ الكبير الولي الشهير‏:‏ مدافع بن سعيد التميمي ومروا بالجزيرة المذكورة في سنة أربع وسبعين وخمس مائة فكنا نقصد القبرين ونزورهما واردين وصادرين ونتبرك بالمسجد والقبرين وآثار الفقيهين وآثار التدريس‏.‏

وفي المسجد ختمة موقوفة ذكر بعض ذرية الشيخ محمد أنه بخط جده محمد المذكور هذا بعض كلام ابن سمرة في ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد زرت المسجد والقبرين فأدركت بعض ذرية الوليين المذكورين وأضافوني خبزاً وتمراً وملما وسمكاً يقال له الشيراز وكان الشيخ في ذلك الزمان لمكان الشيخ أحمد الأسوم من أهل الصلاح وممن أشار إليه بالسر والصلاح وكان الشيخ ابن عبدويه المذكور معظماً عند الناس غزير العلم كريم النفس ارتحل إليه خلائق من فقهاء اليمن من بلمان شتى لعلمه وجوده وإتقانه وفهمه وأخذوا عنه العلم وكتب للشيخ أبي إسحاق المهذب وغيره والتاريخ قرأه بعضهم عليه في سنة تسع عشرة وخمس مائة كان قد ابتلي بذهاب البصر فقال عند ذلك مخاطباً لنفسه - رحمة الله عليه -‏:‏ وقالوا قد دها عينيك سوء فلو عالجته بالقدح زالا فقلت إلىب مختبري بهذا فإن أصبر أنل منه الجلالا وإن أجزع حرمت الأجر منه وكان حصيصتي منه الوبالا وإني صابر راض شكور ولست مغيراً ما قد أنا لا صنيع مليكنا حسن جميل وليس لصنعه شيء مثالاً وربي غير متصف بحيف تعالى ربنا عن ذا تعالى ولما توفي ولده المتقدم ذكره رثاه بعض فقهاء اليمن بقصيدة قال في بعضها‏:‏ أمن بعد عبدالله نجل محمد يصون دموع العين من كان مسلما وفي السنة المذكورة توفي أبو العلاء - ابن عبد الملك الإيادي الإشبيلي طبيب الأندلس صاحب التصانيف حدث عن أبي الغساني وجماعة وله شعر رائق ورئاسة كبيرة‏.‏وفيها توفي الملقب بعين القضاة أبو المعالي عبدالله بن محمد آلهمداني الفقيه العلامة الأديب وأحد من يضرب به المثل في الذكاء ألفارع النجيب دخل فى مذهب التصوف وأخذ في الكلام والإشارات الدقيقة وما لا يفهمه الخلق من أسرار الحقيقة مما نسب فيه إلى الكفيان فقتل به مصلوباً بهمذان‏.‏

وفيها توفي السلطان مغيث الدين محمود ابن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي وكان قد خطب له ببغداد وغيرها وله معرفة بالنحو والشعر والتاريخ وكان شديد الميل إلى أهل العلم والخير - وتوفي بهمذان‏.‏

وفيها توفي مسند العراق هبة الله بن حصين الشيباني البغدادي‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن زهير الإيادي الأندلسي الإشبيلي من أهل بيت كلهم وزراء وعلماء ورؤساء وحكماء‏.‏

قال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه المسمى المطرب من أشعار أهل المغرب وكان شيخنا أبو بكر - يعني ابن زهير المذكور بمكان من اللغة مكين ومورد من الطب معين كان يحفظ شعر ذي إلىمة وهو ثلث لغة العرب مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب والمنزلة العلما عند أصحاب المغرب مع سمو النسب وكثرة الأموال والنشب صحبته زماناً طويلاً واستفدت منه أدباً جليلاً ومن شعر ابن زهير المذكور وقد

إني نظرت إلى المرآة إذ جليت ** فأنكرت مقلماي كل ما رأنا

رأيت فيها شويخاً لست أعرفه ** وكنت أعهده من قبل ذاك فتى

فقلت‏:‏ أين الذي بالأمس كان هنا متى ترحل عن هذا المكان متى فاسضحكت ثم قالت وهي معجبة إن الذي أنكرته مقلماك أتى كانت سليمى تنادي يا أخي وقد صارت سليمى تنادي اليوم يا أبتا قلت وقد عارضت هذه الأبيات لما أنشدها بعض المغاربة بقصيدة تنيف على ثمانين بيتاً سميتها‏:‏ الرياض في الوعظ والاتعاظ وفي بيان حدود الأسنان والعراض وهي هذه‏:‏ وناعم فاقد ألفا يذكرنا نجداً واحداً وسلما والصفا ومنى ومن بها حل والعيش الذي انصرمت واللمالي التي فيها بلوغ منى وسادة كانت الأيام زاهرة بالنور واليمن فيهم زينوا اليمنا ما بين حلى سقي من غيث رحمته - ربي - ثرى من بها ثاو ومن عدنا إن قلت في فضل سادات لنا سلفوا فقول حسان في الأسلاف قد حسنا لكنني في مديحي قد عممت به شيوخ الإسلام لم أخصص أحبتنا يا من رأى منقبات الشيب منقصه لم تدر كم قيل في علماه حدثنا وكم روى من إمام نور ذاك عدا وما به من وقار قد رووه لنا كذلك الحق يستحيي تبارك من ذي شيبة كلها تروي أئمتنا صغرته إذ شويخاً قلت مع خطأ التصغير أيضاً خطا واوبه قرنا كبره واقصد به تعظيم حرمة من بالدين دانوا وزانوا بالحلي الزمنا قل غيرنا وبه للنفس مدحتها فالله يعلم منك السر والعلنا لما نظرت إلى المرآة قد جليت شاهدت في تلك شيخاً قد علاه سنا فقلت من ذا وعهدي قبل ذاك فتى بالزهور يرفل في ثوب الشباب هنا فقال منها لمان ألفال ذاك مضى في ليل جهل قبيل الصبح حين دنا وذا بدا حين فجر العقل ضاء به نور الوقار مع الأحلام قد سكنا وبين ذين بدت أعلام نور بها كهولة زانها وشي وحسن ثنا وهكذا العمر دولات كفاكهة زهو وأرطابها قد أورثت شحنا تكدير صفو ومن بعد الحياة فنا فالحزن يتلو سروراً والبكاء عنا منازل الشيخ من خمسين قبل بدت من أربعين وفيها الانتهاء فنا وبعد ذاك رحيل نحو دار بقا فيها نعيم وسعد وشقا وعنا حسب اكتساب لماعات ومعصية إليهما ألفابق المقدور قاد لنا فضلاً وعدلاً ومن شاء الكريم حبا عفواً وخير الذي عصيانه ودنا منازل الكهل بين المنزلين ثوت للصاليحن بها عيش القلوب هنا إلى نهايات غايات الحياة بها رياض فضل لأرباب القلوب مفا وللجنان جنان الوصل مثمرة فكم فواكه فيها للنفوس من حنا على مدى الدهر قد زادت زكاوتها لذاذة عند ذي ذوق وطيب جنا من فاكهات فعال الصألفات جنوا وذو البطالات يجني الشوك مشبهنا يا مشبهي يافعي في بطالته وضيعة العمر قولوا يا مصيبتنا يا حسرتا بالنحاس الدون جوهرة النفيس بعنا وما الدنيا له ثمنا هل بعدما ابيض زرع في منارعه إلا حصاد وهل في وقت ذاك ونا حصد القضا بغتة تأتيه أمنية خف النوازل فالمغرور من أمنا فكم صغير زروع حصد ذاك أتى فانهض بعزم وحزم عل ذاك دنا شمر وعمر بحصن القلب حارسه ومن العدو الذي أمسى له وطنا أين الجهاد وإكثار السهاد إذا لذ إلىقاد نفى عن طرفه الوسنا وأين تأديب نفس في رياضتها بالجوع والصمت والسمت الذي حسنا وبئس مثلي بثوب العجز مشتملاً نحو التكاسل قد مهر الجياد ثنا يلقى علائقه أمست عوائقه عن كسب خير وفي القلب الونا وطنا سلم الذنوب وداء من عيوب هوى قد صيرا كل من قد ثبط زمنا يا بارد القلب يا خالي الفؤاد ومن ما هزه ذكر من في حاجز سكنا ولا نسيم صبا نجد الغرام ولا نشر الحزام ولا من في النقا عطنا ولا خيام لسلمى دون ذي سلم ولا العقيق ومن من رامتين دنا ولا لنعما ونعمان هواه ولا يشتاق في المنزل الأصلي إلىضا وطنا ولا دنا من خيام في حمى وهوى نور الجمال الذي كم عاشق فتنا مثلي بعيد وكل قد ألم به النذير لاه ومن سطواته أمنا نذير هادم لذات الشبيب فتى مفيق لجماعات الصحاب دنا ومسكت ذا فصاحات به شمت الأ عدا وسروا وأحباب بكوا حزنا وقدموا لرحيل حان مركبه مطية إلىاحلين النعش والكفنا وشيعوه إلى أن جاء منزله تحت الجنادل في بيت البلاد فنا في ضيق للحد ترعى الدود آكلة خدين يا طألفا بالحسن قد فتنا ومقلة حل فيها الحسن سائلة وطيب الريح أضحى جيفه نتنا وبعد ذاك نشور وإلىحيل إلى دار الجزا فعذاب أو لماء منا ما لا يبال ولا عين رأته ولا لوصفه جاء ذكر طارق أذنا هذا مقالي تناهى في العراض وفي اعتذاري عن اللوم الملم بنا من ليس يمدح سلمى عندما جليت يحكي لمن في الثرى البدر البهي دفنا يا سامعاً لفظ نظمي لا تظن به مدحي لنفسي قبيح إن أقول‏:‏ أنا لا تحسبن فيه تخصيصاً لمدحتها والله ما طرف قلبي نحو ذاك رنا لكني عارضت في مدح الشيوخ به من ذمهم في مديح والسباب عنى من لفظه ذاك مفهوم ومعذرتي في ذكر نفسي جلي عند من فطنا ما لي طريق ومرآة بها نظري شخصي سوى ما أرى غيري بها كمنا إلا الذي قلت في روم العراض به مثل الذي قال‏:‏ لاسوء يظن بنا والله ما أرتضي فيها مطالعتي كيلا أرى شين وجه للذنوب جنا هاك المقال الذي جاء العراض لمن قال له ينهى ألفافيات بنا نظرت يوماً إلى المرآة إذ جليت فانكرت مقلماي عندما رأتا رأيت فيها شويخاً لست أعرفه وكنت أعرف فيها قبل ذاك فتى فقلت اين الذي بالأمس كان هنا متى ترحل عن هذا المحل - متى بالله أنصف من المداح ذين هدى منا ومن مادح الدنيا بما نعتا ها قد ثنت عن ثمانين العنان وما في مهرها من كلال نحو ذاك أتى على الثمانين قد نافت ثمانية تزهو رياض عراض في أوان شتا ختامها حمد ربي والصلاة على ختام رسل به ألفاران كلمتا والآل والصحب سامي المجد ما نغمت حمامتا أيكة خضرا وغردتا